[size=24]
ثانياً : بذرة الإنسان
لكي
يكون هناك إنبات لابد أن يكون هناك بذرة، ولكي تنبت هذه البذرة لا بد أن
يكون بها جنين، ولكي ينبت هذا الجنين لا بد أن يكون حياً، وكما ذكرنا
سابقاً، فلو أن هناك بذرة تحتوي على جنين ميت فإنها لا ولن تنبت أبداً.
والفيصل في أن يكون الجنين حياً أن يحتوي علي كروموسوماته الوراثية حية
وسليمة، فهذه الكروموسومات تمثل كتاب الحياة، والمكتبة الرقمية التي تحتوي
علي كل أسرار وخصائص هذا الكائن الحي.
وقد
أشار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان سينبت يوم البعث من
أحد عظامه، وخصوصاً تلك العظمة التي منها تم خلقه وتركيبه ومنها ينبت يوم
القيامة،
هذه العظمة هي - كما أشار الحديث - "عجب الذنب". والسؤال الآن: أين مكان
هذه العظمة في جسم الإنسان؟. وللإجابة عن ذلك ننتقل نصاً إلى قول الدكتور "مصطفى عبد المنعم" أستاذ
علم الأجنة والتشريح - كلية الطب - جامعة طيبة بالمدينة المنورة حيث يقول
في مقال له بموسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة تحت عنوان "عجب الذنب
اكتشافات جديدة": لقد بني علماء المسلمين في النصف الثاني من القرن
العشرين فهمهم للإعجاز في حديث عجب الذنب على قاعدتين علميتين أساسيتين،
أولا: أن العصعص هو ما تبقي من جزء أولى من الجنين يعرف باسم (the
Primitive streak) وهو جزء محوري عرف بأنه يظهر في أوائل الأسبوع الثالث
وتمر منه خلايا من طبقة الإكتوديرم لتكون طبقة الميزوديرم ثم يتقلص ( the
Primitive streak) وما يتبقي منه إلى أجزاء ضئيلة تكون ممثلة في الإنسان
في فقرات العصعص، ثانياً: أن الدليل على أصل قدرة هذا الجزء على تكوين
مختلف الأنسجة بالجسم هو أنه في حالة حدوث ورم في هذا الجزء لدى الطفل
المولود (teratoma) فإن هذا الورم يحوى نماذج من جميع أنسجة الجسم
المختلفة (شعر- أسنان- غدد- ......).
وأشار
الدكتور مصطفى عبد المنعم أنه عند الدراسة في عموم المراجع العالمية قد
يصاب الباحث بالإحباط حين يرى إجماع هذه المراجع أن (Primitive streak)
تختفي بنهاية الأسبوع الثالث أو منتصف الأسبوع الرابع لتطور الجنين مما
يعنى نسف كل التصور الذي سبق. ولكن الحقيقة أن (Primitive streak) قبل
اختفاءها تترك إبناً لها يعرف باسم (Caudal eminence) في منطقة (The
Mesoderm ) ثم تختفي Primitive streak نفسها كلياً وبقاء شيء من
(Primitive streak) في منطقة الإكتوديرم من الواضح أنه هو الذي يؤدى إلى
تكون الورم الخبيث المعروف باسم (teratoma) والذي هو أشهر ورم خبيث في
الأطفال على الإطلاق.
وعلى
عكس ما كان متعارف عليه سابقاً فإن هذا الجسم (Caudal eminence) هو
المسئول عن تكوين ليس فقط عجب الذنب ولكن أيضاً الأجزاء الأساسية للعمود
الفقري والحبل ألشوكي والأغشية المحيطة به تحت مستوى L2. وهذا تأكيد على
صدق قوله صلى الله عليه وسلم (منه خلق).
وفي أكثر من تجربه أجراها العالم الألماني "هانس سبيمان"(Hans Spemann) وجد
أن هناك ما يسمي بالشريط الأولي هو المسئول عن خلق جميع أجهزة الجسم في
الجنين البشري، ولإثبات هذه النظرية قام بنقل هذا الشريط الأولي لعدد من
الحيوانات بجوار أجنتها الأصلية ووجد أن هذا الشريط الأولي نما كجنين
ثانوي بجوار الجنين الأصلي.
وفي تجربه أخري قام العالم "هانس" وتلاميذه
بطحن هذا الشريط الأولي بقوة وقاموا بعد ذلك بزراعته في أجنة الحيوانات
كما أسلفنا فوجد أن هذا الشريط الأولي نما مرة آخري تماما مثل المرة
الأولي، مما أكد له أن هذا الشريط الأولي لا يبلي بالطحن، وزيادة في
الإثبات قام هذا العالم ورفاقه بغليه وزرعه مرة أخرى في جنين ثالث فنما
مكونا محورا جنينيا جديدا مما أكد له أن خلايا هذا الشريط الأولي لا تتأثر
بالغليان.
وقد منح سبيمان جائزة نوبل سنه 1935 على اكتشافه لدور الشريط الأولي في تخليق جميع أجهزه الجسم، وفى أن خلاياه لا تبلى بالطحن أو الغليان .وفى شهر رمضان 1424 هـ قام " الدكتور عثمان جيلان "بتجربة
مماثله في اليمن أحرق فيها خمسا من عصاعص الأغنام باستخدام مسدس غاز لمده
عشر دقائق حتى احمرت من شده الحرارة وتفحمت، و بدارستها تبين أن خلايا
عظمه العصعص لهذه الأغنام الخمسة لم تتأثر بالإحراق وبقيت حيه. [center]
ومع
كل هذا فإن هناك قولاً آخر للدكتور احمد شوقي إبراهيم في مقال له نشرته
جريدة اللواء الإسلامي مفاده أنه كطبيب لا يرى أن عظمة العصعص هي عجب
الذنب أو حتى تحتوي على بقايا منه، فكل الجسد يبلى ويتحول إلى تراب ولا
يتبقى منه إلا الذرات المكونة له، وهذه الذرات هي عجب الذنب وفقط.
عجب الذنب والمادة الوراثية
الحقيقة
ومن الدراسات العلمية الحديثة كما أسلفنا نجد أنه من المنطقي أن بذرة
الإنسان وهي عجب الذنب يجب أن تكون جزء حي محمي بحماية شديدة لا يؤثر فيه
النار أو الضغط أو تغير الظروف المناخية المختلفة من برد قارص إلي حرارة
عالية وغير ذلك.
كما
انه من المنطقي أيضاً في ظل ما هو متوافر لدينا من معلومات عن كيفية نشؤ
الحياة في كل الأجناس والكائنات الحية، أنه يجب أن يحتوي هذا الجزء
المتبقي علي كتاب الحياة أو المادة الوراثية المخزن عليها كل المعلومات
الخاصة بالكائن الحي مثل لون العينين ولون البشرة ونوع ولون الشعر، القلب
والأقدام، الدم واللسان وكل ما يتعلق بالكائن الحي يجب بل يلزم أن نجد له
معلومة مخزنة في هذا الكتاب والذي يعرف بالدنا "DNA".
ولا
يجب أن يصاب المرء بالإحباط كما يشعر الدكتور عبد المنعم حين يرى أن
الشريط الأولي يختفي بعد الأسبوع الثالث وبداية الأسبوع الرابع من تكون
الجنين، ولا يجب أن ننفي وجود عجب الذنب بالمرة كما يقول الدكتور احمد
شوقي إبراهيم في مقاله السابق الإشارة إليه، إذ لا يلزم أن يتبقى من
الإنسان سوى خلية واحدة فقط حية، لا أكثر، خلية واحدة تحتوي على المادة
الوراثية للكائن الحي تحوي جميع المعلومات والبيانات والأسرار عن هذا
الكائن.
ولتصور
مقدار الأسرار التي يحملها كتاب الحياة "DNA" نضرب لكم مثلاً بعملية
الاستنساخ والتي أسفرت عن ظهور النعجة "دولي" ، في أبسط وصف لهذا
الاستنساخ هو نقل كتاب حياة من خلية غير جنسية إلي خلية جنسية وأثمرت هذه
العملية عن جنين أعطي هذه النعجة، ولكن ما أريد الإشارة إليه هنا هو أن
النعجة الوليدة لم تبدأ حياتها ككل المخلوقات طفلاً ثم شاباً ثم شيخاً، بل
بدأت حياتها من عمر كتاب الحياة للأم بدأت حياتها بعمر 6 سنوات، وما كان
ذلك إلا لأن كتاب الحياة يخزن بين طيات صفحاته عمر الكائن الحي، وحالته،
ومزاجه، وكل ما يعتريه من تغيرات وتقلبات حياتية.
ومنذ
سنوات غير قليلة تقوم العديد من المعامل بزراعة الخلايا النباتية وتنميتها
حتى تصبح نباتاً كاملاً ويباع في الأسواق كشتلات عالية الجودة، وهذا العلم
يعرف بعلم زراعة الخلايا والأنسجة. كما أن زراعة الخلايا الحيوانية
والبشرية دخل أيضاً حيذ التنفيذ في عديد من معامل الجامعات ومراكز البحوث
ومراكز البحث والتطوير في شركات الأدوية والعلاجات الصيدلية الكبرى. إذن
مسألة إنبات الخلية الحية لتصبح نسيجاً ليس شيئاً غريباً في المجتمع
العلمي أو حتى علي مستوي القارئ الغير متخصص.