مسرحية «الشاهد» لمجموعة المبدعين الصمّ

<SPAN class=surtitre>مسرحية «الشاهد» لمجموعة المبدعين الصمّ
[size=18]

مسرحية «الشاهد» لمجموعة المبدعين الصمّ
مناخ جحيمي مملوء بالدلالات...

يقولون: انّ الإنسان عندما يفقد حاسة من حواسه فان حواسه الاخرى تصبح اكثر رهافة.. وأعتقد ان هذا الاستنتاج صحيح اذ ان ما شاهدته مؤخرا من ابداع لدى ممثلين من الصمّ في مدينة دوز يؤكد هذا القول.. فاكثر من عشر ممثلات وممثلين من فاقدي ملكة التكلم قدموا مسرحية تحمل عنوان «الشاهد» اذهلونا بدقة ادائهم لشخصيات تتراوح بين الحقيقة والخيال، بين الواقع الانساني الرهيب والكوابيس التي تقضّ مضاجع المعذبين في الأرض.
منذ انطلاق المسرحية نرى قابيل وهابيل في قتال عنيف.. ثمّ على الشاشة المنتصبة فوق مجرى المياه شريط وثائقي يجسد حربا وسفك دماء، ربما تكون مشاهد من حرب فيتنام.. كل حرب يتسلط فيها القوي على الضعيف هي اغتصاب.. في برودويي بنيويورك اي في امريكا ذاتها قدمت مسرحيات شوهد فيها اغتصاب امرأة فيتنامية تحت علم امريكا.. ولكن ماذا بعد الاغتصاب؟ التيه والضياع.. الوصمة والالم.. العزلة والنبذ.. وخاصة الصمت المقيت..
إخراج مشحون بالدلالات
المخرج بن عمر يعرف مع من يتعامل.. يعرف ان لغة الصمت يفصح عنها الجسد.. ويعرف ان هذه اللغة تبحث عن فضاء يحتويها.. مجرى المياه المنتصب على شكل قوس يوحي بالبطن.. والبطن توحي بالإنجاب والإخصاب.. تماما كالأرض.. والإنسان هو ابن الارض.. يولد منها ويعود اليها.. البشر جاؤوا من أمّ واحدة ولكنهم يعيشون في شريعة الغاب.. البشر يلدون وينتهكون حرمات بناتهم وأبنائهم.
لذلك عمد المخرج الى تصويرهم على شاكلة الإنسان البدائي بكل ما فيه من وحشية وبربرية.. وجوه مطلية بالطين والتراب وأجساد يحكمها الأسياد.. أما الحبل الذي يربط الجميع فهو عبارة عن حبل السرّة لدى خروج المولود من بطن أمّه أي أواصر الدم الذي يباح سفكه.. صور عديدة للإنتهاكات البدنية وأداء تعبيري رائع وصادق من الممثلين والممثلات وبصفة خاصة من البطلة المغتصبة.. اداء ربّما لا يقدر عليه ممثلون كبار.. فالصدق يتناقص في أيامنا هذه..
المخرج أثث الفضاء بالصور والتشكيلات المعبرة وبالمؤثرات الصوتية الملائمة والمنسجمة مع الجو العام.. لكأنّها اصوات الصمّ المكبوتة.. أدخنة متصاعدة من جوف الارض، مناخ جحيمي يحدث تأثيرا مباشرا في المشاهد خاصةعندما تتصاعد بعض الأصوات النسائية الموجوعة.. انه بحق مسرح القسوة الذي اسس له ارتو.. مسرح الطاعون الذي يتسرب من الركح من الممثل.. الى القاعة الى المتفرج فتحدث فيه هزات وارتجافات. مسرحية الشاهدد قامت على الصمت ولكنه صمت يؤجج النفوس ويترك فيها تساؤلات عديدة حول العصر وأحواله والبشر ومآله في صيغ جمالية قلما نراها لدى أعتى المسرحيين.

كمال العلاوي