أحمد
عدد الرسائل : 6 تاريخ التسجيل : 03/04/2007
| موضوع: عقدنا الي أنفرط .... الثلاثاء أبريل 03, 2007 3:09 pm | |
| عقدنــا الـذي انـفرط بقلم: فهمـي هـويـــدي[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لو أننا قمنا بجرد حصاد السجال الذي شهدته مصر بمناسبة التعديلات الدستورية, فسنجد في خانة الخسائر أن العلاقات الاسلامية المسيحية أصابها شرخ يقتضي انتباها واحتواء دون إبطاء. (1) ادري ان الموضوع دقيق وحساس, وأن الخوض فيه يكاد يلامس دائرة غير المباح في الحوار العام. لكني أزعم أن فتح الجرح وتطهيره أفضل وأصح كثيرا من إغلاقه علي ما فيه من تقيحات وصديد. كما ان فتح الملف في العلن والحوار النزيه حول عناوينه امام الملأ يقطع الطريق علي المزايدين ودعاة الفتنة, الذين يسوقون المرارات ويشيعونها بين الناس.
مادفعني للعودة إلي الموضوع الذي كنت قد أشرت اليه من قبل, ثلاثة أمور, أولها انني تلقيت خلال الأسابيع التي خلت كما من خطابات القراء الاقباط, الذين تحدثوا عن الاسلام والمسلمين في الماضي والحاضر, بلغة اقل ماتوصف به انها غير بناءة, ولاتوفر أجواء مواتية لصالح التعايش القائم علي المودة والبر. الامر الثاني انني وجدت من اعرفهم من عقلاء الاقباط يتحدثون من نفس المنطلقات, ولكن بلغة أخف. وكان هؤلاء قد احتفوا بكتابي مواطنون لا ذميون الذي صدر قبل عشرين عاما. ومنهم من ابلغني بأن صفحات من الكتاب علقت في بعض الكنائس لكي يطلع عليها الجميع. وقد اقلقني أنني وجدتهم قد غيروا مواقفهم, واصبحوا يتحدثون بلغة أخري, فيها من السخط والغضب أكثر ما فيها من التراحم والوصل.
الأمر الثالث انني وجدت ان رئاسة الكنيسة القبطية دخلت طرفا في السجال السياسي تعددت مظاهره. وكان دخولها من اكثر من باب, فمن ناحية تواترت الشهادات الدالة علي انها وجهت الاقباط للتصويت لصالح تعديلات الدستور انطلاقا من حسابات سياسية معينة, وهو ما سمعته بأذني من بعضهم. ومن ناحية ثانية فاننا وجدنا بعضا من القساوسة يشاركون بصفتهم الدينية في المطالبة بالغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص علي ان الاسلام دين الدولة, وأن مبادئ الشريعة المصدر الاساسي للتشريع, وقرأنا لبعضهم تصريحات منشورة اشادت بالتعديلات التي دخلت علي الدستور لقطع الطريق علي تقدم تيار الاسلام السياسي, واعتبرت أن العيب الوحيد في الدستور هو الإبقاء علي المادة الثانية دون الغاء.
لا أنكر أن لغة الخطاب التي وصفتها بغير البناءة موجودة لدي بعض المسلمين, ولست بحاجة لمن يدلني علي هذه البضاعة والمروجين لها. لكن ثمة فرقا مهما يتعين الانتباه اليه, هو ان هذه اللغة ـ المستنكرة والمرفوضة حتما ـ لاتستغرب اذا صدرت عن المتطرفين والحمقي. لكن دلالاتها تصبح خطيرة ومقلقة اذا ما تبناها العقلاء أو المسئولون الدينيون الذين يفترض فيهم الاتزان والاعتدال.
في الوقت ذاته فانه يدهشني ويستفز انتمائي الاسلامي أن يطالب نفر من المثقفين بالغاء المادة الثانية من الدستور, انطلاقا من رؤية علمانية تبغي إقصاء الدين عن المجال العام. لكن الحساسية تنضاف إلي الدهشة حين تصدر تلك الدعوة عن قسس لهم وزنهم في الكنيسة, لان شبهة الحسابات الطائفية ترد بقوة في هذه الحالة, بما يفهم منه ان المطلوب اقصاء الاسلام وليس الدين بعامة, وهو ما يؤدي إلي تراجع الخطاب عدة خطوات إلي الوراء, فلا يقوم علي حسابات سياسية بين وطنيين مصريين, ولكنه يغدو سجالا طائفيا بين مسلمين واقباط, الامر الذي يجرح نسيج علاقة ينبغي أن يتوافق المخلصون من الطرفين علي ضرورة الحفاظ علي صفائها ومتانتها ورسوخ أواصرها. (2) أستأذن هنا في وقفة امام تصريحات البابا شنودة بطريرك الاقباط وفتوي شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بخصوص المشاركة في الاستفتاء, فالاول دعا بصفته رئيسا للكنيسة الارثوذكسية الشعب القبطي للمشاركة, والثاني ردد الدعوة ذاتها واضاف عليها ان مقاطعة الاستفتاء تعد من قبيل كتمان الشهادة, ملوحا بالنص القرآني الذي ينص علي أن من يكتمها فإنه آثم قلبه.
الوقفة التي أتحدث عنها تتضمن ملاحظات ثلاثا, الاولي تتعلق باستخدام الرمزين الكبيرين نفوذهما المعنوي لدي المسلمين والاقباط, لحث الجماهير علي المشاركة في الاستفتاء علي تعديل الدستور, ومن ثم عدم الاستجابة لدعوات المقاطعة التي أطلقتها احزاب المعارضة, وهذا السلوك من جانبهما يعد من قبيل مباشرة النشاط السياسي استنادا إلي المرجعية الدينية, وهو ما ينطبق عليه الخطر الوارد في تعديل المادة الخامسة من الدستور, التي تنص علي أنه لاتجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام احزاب سياسية علي اية مرجعية دينية أو اساس ديني.. إلخ وهو ما يسوغ لنا ان نطرح السؤال التالي: هل الحظر الوارد في التعديل ينطبق في حالة معارضة الخط السياسي للحكومة فقط, ام انه موقف مبدئي يسري علي النشاط السياسي المؤيد للحكومة والمعارض لها؟
الملاحظة الثانية تتعلق باستشهاد شيخ الازهر بالآية التي تعتبر ان الذي يكتم الشهادة آثم قلبه اذ برغم انه لامعني للكلام الآن عن المقاطعة من عدمها, كما أننا لسنا في صدد المفاضلة بينهما, إلا أنني أزعم ان الشيخ أخطأ من الناحيتين الفقهية والقانونية في اعتباره الدعوة إلي المقاطعة كتمانا للشهادة. ذلك ان التصويت بنعم أو لا هو اعلان للشهادة حقا, إلا ان اعلان المقاطعة لاي سبب ـ وليكن طعنا في شرعية العملية مثلا ـ هو ايضا موقف قد نتفق معه أو نختلف, لكنه يظل تعبيرا آخر عن الشهادة ـ وليس هناك وجه لاعتباره كتمانا لها.
الأمر الذي يعني ان الشيخ وضع الآية في غير موضعها, واستخدمها في غير معناها. الملاحظة الثالثة أن توجيه البابا شنوده للشعب القبطي بالمشاركة في التصويت, الذي كان واضحا فيه حث الاقباط علي تأييد التعديلات, وقيام اساقفة الكنائس في جميع المحافظات المصرية بمتابعة تنفيذ هذه الدعوة, هذا التوجيه سلط الضوء علي الدور الذي تقوم به الكنيسة, باعتبارها مؤسسة لها اصطفافها في المعترك السياسي. وهو الدور الذي يعبر عن تطور مثير للانتباه في وظائف الكنيسة, تشكل بصورة تدريجية خلال السنوات الأخيرة. (3) في حدود علمي, فان هذه هي المرة الاولي في التاريخ المصري المعاصر, التي ترتفع فيها بعض الاصوات القبطية مطالبة باستبعاد نص الدستور علي ان الاسلام دين الدولة وأن الشريعة المصدر الاساسي للقوانين, وأغلب الظن ان هذه الدعوه شجعت بعض رجال الدين الانجيليين( البروتستانت) للانضمام إلي الحملة, علي الاقل فهذا ما عبرت عنه ورقة قدمها القس محسن منير من الكنيسة الانجيلية باسيوط, إلي مؤتمر حوارات المواطنة الذي انعقد في شرم الشيخ قبل ثلاثة اسابيع من(7 إلي3/9) وفيها اعتبر المادة الثانية من الدستور بوابة ملكية لاقامة الدولة الدينية, مدعيا بأنها تضرب مبدأ المساواة من الجذور أكرر ان هذه المناقشة لم يعد لها محل الآن, وإنما الذي يعنيني هو مغزاها والأصداء التي خلفتها, والتأثيرات التي احدثتها في نسيج العلاقة بين المسلمين والاقباط في مصر, ذلك أن جوهر الدعوة ليس تأكيد الحق في المساواة وتوفير تكافؤ الفرص, أو غير ذلك من المطالب العادلة التي من شأنها الاستجابة لاستحقاقات المواطنة, وإنما ينصب الجوهر علي إقصاء الإسلام من هوية الدولة المصرية, واستبعاد مرجعية الشريعة لقوانينها, الأمر الذي يعد تصعيدا في المطالب جارحا لمشاعر الأغلبية الساحقة, لم تعرفه مصر من قبل, ذلك ان التوافق الوطني بين نخبتها انعقد دائما علي احترام الهوية الاسلامية لهذا البلد بمحتواها العقيدي والحضاري, وهو ما عبر عنه تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر المصري الذي انعقد في عام1911, الذي أعده أحمد لطفي السيد( بك) وهو من أبرز الرموز العلمانية في زمانه, حيث أورد التقرير نصا اشرت اليه من قبل يقول بوضوح ان: دين الامة المصرية هو الاسلام وحده, لأنه دين الحكومة ودين الاكثرية في آن واحد.
هذه الهوية التي استقرت في الواقع المصري لم تكن بدعة ولا أمرا شاذا, لأنه اذا جاز لليونان مثلا ان تنص في دستورها علي ان الارثوذكسية الشرقية هي عقيدة الامة اليونانية, واذا نصت دساتير دول مثل اسبانيا والدنمارك والسويد علي ان الملك يجب ان يتبع كنيسة بذاتها, واذا نص دستور نيبال علي أن البوذية دين الدولة, فلماذا يستكثر علي بلد الأزهر ان يكون الاسلام دينها الرسمي؟
لست أشك في أن ذلك التصعيد في الدعاوي, الذي لامس الخطوط الحمراء الضامنة لاستقرار المجتمع وتماسكه, تأثر بدرجة أو اخري, بذلك النزق والتطاول الذي مارسه نفر من المثقفين خلال مناقشة التعديلات الدستورية, وبمقتضاه تورط البعض في الاشتباك مع الاسلام, حتي دعوا إلي إضعاف دوره والتهوين من شأنه. (4) ماذا كانت حصيلة تواصل التعبئة التي حدثت ضد المادة الثانية من الدستور؟ صحيح ان لاشيء تغير في المادة, ولكن التغيير طرأ علي النفوس التي شحنت بالتوجس والمرارة, الأمر الذي افرز استنفارا واستقطابا, القدر الغاطس منه لايقل عن المعلن والظاهر, وبدلا من الاحترام والحرص المتبادلين, تسربت الشكوك إلي الجانبين الاسلامي والمسيحي, ولاحت بوادر عدم الثقة بينهما, وهو ما لاحظته بوضوح في الدوائر التي أعرفها, وهذا بالدقة هو الشرخ الذي صنعناه بأيدينا, واشرت إليه في بداية الكلام.
في ظل ذلك الاستقطاب والاستنفار, ينبغي ألا تستغرب ان ينشغل المسلمون والمسيحيون بما هم مختلفون فيه وليس بما هم متفقون عليه, وتلك انجع وصفة لتكريس الانكفاء والانصراف عن التحديات الحقيقية التي تواجه البلد وتصنع مستقبل الجميع, واذا نظرنا إلي المشهد من زاوية أوسع, فسوف نجد ان العالم العربي يتآكل من داخله, حيث يتصارع فئاته مع بعضها البعض, وتطلق رصاصاتها في كل اتجاه, باستثناء الجهة التي ينتشر عليها اعداؤها الحقيقيون, فيما يبدو انه حماس عبثي توافقت النخب فيه علي ان تقيم حفل انتحار جماعي, تهديه إلي الذين لايتمنون للأمة خيرا ولايكنون لها ودا.
لقد درجنا علي أن نتهم الأنظمة دائما ونحملها بالمسئولية عما يحيق بنا من مكاره ونوازل, واستسهل بعضنا ان يشير كل مرة إلي مؤامرة الخارج ودسائسه, وإذ لاينبغي ان نبرئ الانظمة من افساد الاجواء السياسية بدرجة أو أخري, كما ينبغي ألا نعفي ابالسة الخارج من التآمر, الذي يطلقون عليه احيانا مصطلح المخططات والاستراتيجيات, إلا أننا في المشهد الذي نحن بصدده نضبط بعض شرائح النخبة وهم في حالة تلبس بايقاظ الفتنة وتجاوز الخطوط الحمراء.
إذا سألتني ما العمل؟ فردي اننا نحن الذين استحضرنا العفريت ولا أحد غيرنا يستطيع أن يصرفه, كما يقول المثل المصري الشائع, مع فارق جوهري هو انه اذا كان الغلاء قد فعلوها, فوحدهم العقلاء هم القادرون علي التصدي لمهمة الإنقاذ والخروج من المأزق, اذ هم وحدهم الذين يستطيعون ادراك مساحة المشترك الجامع بين ابناء الامة, الذي نحن في امس الحاجة إليه للتعامل مع التحديات الحقيقية التي تواجه الوطن ـ اين هؤلاء ولماذا لايتحركون؟ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | |
|