" فالعمل بغير نية عناء والنية بغير إخلاص رياء "

عدد الرسائل : 265 تاريخ التسجيل : 03/04/2007

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خطبة اليوم

" فالعمل بغير نية عناء والنية بغير إخلاص رياء وهو للنفاق كفاء ومع العصيان سواء "

أحمد الله تعالى حمد الشاكرين وأؤمن به إيمان الموقنين ونقر بوحدانيته إقرار الصادقين ونشهد ألا إله إلا الله رب العالمين وخالق السماوات والأراضين ومكلف الإنس والجن والملائكة المقربين أن يعبدوا عبادة المخلصين قال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" فما لله إلا الدين الخالص المتين فإنه أغنى الأغنياء عن شركة المشاركين والصلاة والسلام على نبيه محمد سيد المرسلين وعلى جميع النبيين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين المباركين واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في أفعاله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وإمامنا محمدا رسول الله فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبي عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته أما بعد فأن أصدق الكلام كلم الله تعالى وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون " ثم أما بعد أخوة الإسلام والإيمان حياكم الله جميعا وبياكم وثبت على طريق الحق خطايا وخطاكم والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وبعد فقد انكشف لأرباب القلوب ببصيرة الإيمان وأنوار القرآن أن لا وصول إلى السعادة إلا بالعلم والعبادة فالناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم فالعمل بغير نية عناء والنية بغير إخلاص رياء وهو للنفاق كفاء ومع العصيان سواء والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء وقد قال الله فى كل عمل كان بارادة غير الله مشوبا مغمورا ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءًا منثورا ) وبعد هذا كله نتحدث بفضل الله تعالى عن ( النية ) التي أسأل الله تعالى أن يحسن نيتنا جميعا لطاعته وأن يبعدنا عن النفاق والرياء والسمعة إنه على كل شيء قدير ولكى لايمر الوقت سريعا من بين أيدينا ننجز الكلام فى هذا الموضوع الطيب المبارك فى العناصر الآتية

أولا :حقيقة النية ومعناها ثانيا الإخلاص وحقائقه ثالثا الصدق وحقيقته فأسأل الله عز وجل أن يرزقنا التوفيق فى القول والعمل أولا حقيقة النية ومعناها فمما لاشك فيه أن النية لها فضل عظيم فقد تحقر عملا عظيما وقد تعظم أمرا صغيرا ولذلك قال ربنا جل وعلا " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " الانعام 52 وقال حبيب الحق صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أوامرأة ينكحها فهجرته الى ماهاجر اليها "1 وقال صلى الله عليه وسلم " ان الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " 2 فأن كان المقياس الحقيق الذي يوزن به العبد يوم القيامة هو النية فهيا سويا نصلح النية فنستحضر النية الصادقة مع الله تعالى فكثيرا من الناس يجتهدون في العمل الصالح ولكن خانتهم نياتهم في أن يبتغون بأعمالهم وجه الله فردت عليهم أعمالهم بل كانت عليهم حجة يوم القيامة وعجبا لمن نوى النية بل عزم النية على النعيم الزائل مع أنه لم يكن نعيما وترك النعيم الدائم فاسمع معي لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال رسول الله r " من كانت الدنيا نيته جعل الله فقره بين عينيه وفارقها أرغب ما يكون فيها ومن تكن الآخرة نيته جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه ضيعته وفارقها أزهد ما يكون فيها "3 فشتان شتان بن رجل جعل القصور بين عينيه ونسي القبور واهتم بالخِل والأحباب ونسي الوحل والتراب وبين رجل ترك القصور ليستريح بالقبور ولم يشغله الأهل والأحباب على الراحة بالوحل والتراب واسمع لما قاله عملاق هذه الأمة وفاروقها أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه " أفضل الأعمال أداء ماافترض الله تعالى والورع عما حرمه الله وصدق النية فيما عند الله وكتب سالم بن عبد الله لعمر بن عبد العزيز أعلم أن عون الله تعالى للعبد على قدر النية فمن تمت نيته تم عون الله له وإن نقصت نقص بقدره نداء إليك يا من تريد العون والمدد من الله يا من تريد أن يشفي الله ولدك ويا من تريد أن يرحم الله والديك ويا من تريد أن يستر الله ابنتك ويا من تريد سعة في الرزق ويا من تريد الولد والذرية نداء لمن يريد أن يتوب الله عليه أخلص نيتك فبقدر إخلاصك في نيتك قدر ما تمتد إليك يد العون من الله فهيا نخلص النية جميعا لنقدم لإخواننا المجاهدين في كل مكان التي ترمل نسائهم وتيتم أطفالهم وتتقطع أشلائهم هيا نقدم للمسجد الأقصى وهو أسير أفضل هدية وهي الدعاء ولكن اليوم دعاء بإخلاص ونية فنتيقن باستجابته واسمع لما قاله الثوري قال : " كنا نتعلم النية كما تتعلمون العمل وقال بعض أهل العلم اطلب النية للعمل قبل العمل وما دمت تنوي الخير فأنت بخير واعلم أخي في الله غير داخلة تحت الإختيار فقد يكون إنسان عن تدريسه أو تجارته أو أكله نويت أدرس لله أو آكل لله ويظن ذلك .. وهيهات فذلك حديث نفس وحديث لسان وفكر وانتقال من خاطر إلى خاطر والنية بمعزل من جميع ذلك كله أي إذا ما أردت النية للصلاة فتريد أن تبتغي للصلاة وجه الله تقف بين يدي الله والقلب مشغول بالله وتسأل الله بميول قلبك لا باللسان وفقط يا رب أنوي صلاة كذا ابتغاء مرضاتك فلا تجعل لأحد غيرك فيها شيئا أأجرني بكل حرف في صلاتي وبكل ركوع وسجود وقيام وتكبير وتسليم ولكي ننهي الحديث عن عنصرنا الأول وهو حقيقة النية أكتفي بذكر ما حكي أن أحمد بن خضرويه رأى ربه عز وجل في المنام فقال له كل الناس يطلبون مني الجنة إلا أبا يزيد فإنه يطلبني ورأى أبو يزيد ربه في المنام فقال يا ربي كيف الطريق إليك فقال اترك نفسك وتعالى إلي ما أريد أن أخرج به من عنصرنا الأول أن تترك نفسك وتأتي إلى الله بشرط الإخلاص في النية وذاك هو عنصرنا الثاني إن كنا تحدثنا في بادئ اللقاء عن فضل النية فما بالنا بالكلام عن فضل الاخلاص فى النية أرى فى نفسى عجزا بأن أصف فضل الاخلاص فى النية ولكن يكفينا جميعا أن نستمع لكلام رب العالمين جل وعلا حيث يقول سبحانه " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " البينة 5 وقال صلى الله عليه وسلم " ثلاث لا يغل عليهن قلب رجل مسلم إخلاص العمل لله تعالى " 4 وقال صلى الله عليه وسلم أيضا " قال الله تعالى : الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي " 5 وقال ابن عم وزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تهتموا بقلة العمل واهتموا للقبول أخي فى الله إبليس لعنة الله عليه أبا واستكبر وعاند الله ثم تعهد بغواية الأمة فقال " لأقعدن لهم صراطك المستقيم "ص83 ولكن هذه الضلالة والغواية لابد بأن يكون لها من حالة استثناء على لسان المتحدث وهو إبليس لعنه الله فقال إلا عبادك منهم المخلصين إذ لا يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص كان معروف الكوخي رحمه الله يضرب نفسه ويقول " يا نفس أخلصي تتخلصي وقال يعقوب المكفوف المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته " وقال سليمان " طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى وقد كتب عملاق هذه الأمة وفاروقها عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري وقال " من خلصت نيته كفاه الله تعالى ما بينه وما بين الناس " أخوة الإسلام والإيمان لابد من وقفة بعد هذا الفضل العظيم ولا بد من وقفة بعدما أن سمعنا لكلام رب العالمين وكلام سيد المرسلين ومن كلام الصحابة المكرمين ومن كلام التابعين الطيبين هل أخلصت نيتك لله ؟ - هل استحضرت الآن وأنت في المسجد نيتك بينك وبين الله ؟ استحضرت النية وبرأت نفسك من النفاق والرياء وأخلصت قلبه كله لله إن لم تخلص الآن فمتى تخلص لله ؟ أنت الآن بخير بيدك أن تفوز بالنية وإخلاصها قبل أن لا تستطيع الاختيار وقبل أن يلقى بوجهك في النار وأسأل الله عز وجل أن يقربنا إلى الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونية وأن يبعدنا عن النار وما قرب إليها من قول وعمل ونية وقد قال أبو بكر الوراق " احفظ الصدق فيما بينك وبين الله تعالى والرفق فيما بينك وبين الخلق وسُئل ذالنون هل للعبد إلى صلاح أموره سبيل فقال

قد بقينا من الذنوب حيارى نطلب الصدق ما إليه سبيل

فدعاوى الهوى تخف علينا وخلاف الهوى علينا ثقيل

وقيل لسهل ما أصل هذا الأمر الذي نحن عليه فقال الصدق والسخاء والشجاعة فقيل زدنا فقال التقى والحياء وطيب الغذاء ولما سئل الجنيد في قول الله تعالى "ليسأل الصادقين عن صدقهم" الأحزاب 8 قال يسأل الصادقين عند أنفسهم عن صدقهم عند ربهم وهذا أمر على خطر عظيم أرى الكلام الآن قد انتقل من لساني على العنصر الثالث الصدق في النية ولكن أريد ان يطمئن فؤادي لأحبابي وأخواني بسؤال خطر على بالي هل استحضرت النية ؟ وبعد ذلك هل أخلصت النية ؟

ثالثا : أنتقل بحضراتكم رويدا رويدا للعنصر الثالث ألا وهو الصدق في النية بداية يستعمل لفظ الصدق في ست معاني صدق في القول وصدق في النية والإرادة وصدق في العزم وصدق في الوفاء بالعزم وصدق في العمل وصدق في مقامات الدين كلها أسأل الله أن يحقق تلك المعاني كلها في قلوبنا جميعا وأن يخلص نياتنا وأن يرزقنا اللهم الحياة في طاعته والموت على سنته وأن يجعلنا في الآخرة ساكنين لجنة إنه نعم المولى ونعم النصير .

أمة الحبيب محمد قال ربنا جل وعلا " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " الأحزاب 23 وقال ابن عباس رضي الله عنه أربع من كن فيه فقد ربح الصدق والحياة وحسن الخلق والشكر وقال أبو سليمان اجعل الصدق مطيتك والحق سيفك والله تعالى غاية طلبك وقال رجل لحكيم " ما رأيت صادقا فقال له لو كنت صادقا لعرفت الصادقين وأوحى الله تعالى إلى نبيه داوود عليه السلام يا داوود من صدقني في سريرته صدقته عند المخلوقين في علانيته وقد أجمع الفقهاء والعلماء على ثلاث خصال أنه إذا صحت ففيها النجاة ولا يتم بعضها ببعض الإسلام الخالص عن البدعة والهوى والصدق لله تعالى في الأعمال وطيب المطعم ولله در القائل :

إذ السر والإعلان في المؤمن استوى فقد عز في الدارين واستوجب الثنا

فإن خلاف الإعلان سرا فما له على سعيه فضل سوى الكد والعنا

فما خالص الدنيا وفي السوق نافق ومغشوشه المردود لا يقتضي المنا

عباد الله أرى الآن أمام عيني كلام رسول الله يترفرف وأرى لزاما عليّ أن أذكركم بقول حبيبكم r " التائب حبيب الله والتائب من الذنب كمن لا ذنب له " 6أقول لقول هذا واستغفر الله لي ولكم " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا "

الحمد لله الواحد الأبدي الحمد لله القائل إن الله وملائكته يصلون على النبي وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد حان الآن وقت المواجهة بأن تواجه نفسك وتسألها أولا هل أحضرت النية ؟ فما نيتك ؟ وما درجة إخلاصها ؟ وما حقيقة صدقها ؟ بعدما أن علمت أن الدنيا إذا حلت أوحلت وإذا كست أوكست وإذا أوجفت جفت وإذا أينعت نعت وإذا ولت فهي مدبرة وإذا ضحكت فهي مكشرة أسأل الله عز وجل أن يجعل عملنا كله صالحا ولوجه خالصا ولا يجعل لأحد غيره شيئا وأن يرزقنا اللهم الإخلاص في القول والعمل وأن يرشدنا إلى صراطه المستقيم اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأخذل الشرك والمشركين أعدائك أعداء الدين اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا عيبا إلا سترته ولا مريضا إلا شفيته ولا ميتا إلا رحمته ولا مظلوما إلا نصرته ولا عاصيا إلا هديته ولا تائبا إلا قبلته ربنا هذا حالنا لا يخفى عليك وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك فعاملنا بالإحسان إذ الفضل منك وإليك عباد الله إن أحسنت فمن الله وإن أسأت أو قصرت فمن نفسي ومن الشيطان وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب أذكروا الله يذكركم واشكروه يزدكم وسلوه يعطكم واستغفروه يغفر لكم عباد الله إن الله يأمر بثلاث وينهى عن ثلاث يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون و أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .