علي
عدد الرسائل : 265 تاريخ التسجيل : 03/04/2007
| موضوع: تفكير في أمن مصر القومي 00بقلم: فهمي هويدي الأربعاء أكتوبر 10, 2007 12:27 am | |
| تفكير في أمن مصر القومي بقلم: فهمي هويدي إذا لم نكن مدركين أن الأمن القومي لمصر مكشوف إلى درجة تستدعي القلق العميق، فإن ذلك يعني أننا نعيش في غيبوبة كبرى، ينبغي أن نفيق منها قبل فوات الأوان. (1) حين تساءلت في مقالة الأسبوع الماضي «إلى أين نحن ذاهبون؟« وانتقدت ظاهرة الانكفاء على الذات في الخطاب المصري، ودعوت إلى التفكير في بعض التحديات الخارجية التي تواجه البلد، تلقيت تعليقات وردودا في اتجاهين. الأول: تحدث عن انجازات في الداخل لا يمكن تجاهلها، والثاني: ان التحديات الخارجية التي أشرت إليها لم تغب عن العقل السياسي، وان وزارة الخارجية أصدرت بيانات حددت فيها مواقفها إزاءها. وما استنتجته من مجموع تلك الردود أن رسالتي لم تفهم جيدا. وأن الفكرة التي أحاول التنبيه إليها تحتاج إلى شرح. أكثر ما اثار انتباهي في تلك الردود أن مفهوم الأمن القومي - الذي هو محور حديثي - ليس واضحا في أذهان كثيرين، وأن هناك قراءات متعددة ومبتسرة له. فلست أريد أن أقلل من شأن أي إنجاز يتم في الداخل، وأقدر الجهد الذي تبذله وزارة الخارجية في تسجيل مواقفها إزاء مختلف التطورات المحلية. ففوز النادي الأهلي بكأس افريقيا ونجاح الشرطة المعنية في حل مشكلة الاختناقات المرورية بالقاهرة خلال شهر رمضان، أو سعي وزارة التموين لضبط الأسعار وصولا إلى إقامة محطة للمياه ومشروع للصرف الصحي في هذه المحافظة أو تلك، هذه كلها أشياء مفيدة لا ريب، لكنها ليست ما أعنيه. بذات القدر فإن بيانات وزارة الخارجية فيما يخص مختلف التطورات الدولية يمكن أن تكون أخبارا تهتم بها الصحف، لكنها أيضا ليست ما أعنيه. إن الأمن القومي كما أفهمه تختزله كلمة «المصير« بحيث يدخل فيه كل جهد يتعلق بصناعة المصير في الحاضر والمستقبل، الأمر الذي يخرج من نطاقه كل ما له علاقة بالتفاصيل الآنية والمشكلات المرحلية العابرة. لذلك فإنني أعرف الأمن القومي بأنه كل ما يتعلق بعافية الوطن والمواطن في الحاضر والمستقبل. ومن المهم في هذا الصدد الانتباه إلى أن ثمة فرقا بين الأمن القومي وبين التأمين الذاتي، فالأول مهمة تتشارك فيها كل أجهزة السلطة ومؤسسات المجتمع، وتؤدي فيه أجهزة الأمن دورا محدودا بالمقارنة بما تقوم به الأجهزة الأخرى. أما التأمين الذاتي فهو يخص النظام بالدرجة الأولى. ودور الأجهزة والمؤسسات الأمنية فيه أساسي ومحوري. وهو ما يعني أن الحفاظ على الأمن القومي يقوي المجتمع والنظام، في حين أن التركيز في التأمين الذاتي يحمي النظام ولا يحمي المجتمع. (2) طبقا لنص الدستور الأمريكي (الفقرة الثالثة من المادة الثانية) فإنه يتعين على رئيس الدولة أن يطلع هيئتها التشريعية (الكونجرس) على حالة الاتحاد بين الحين والآخر. وتطبيقا لهذه المادة نشأ تقليد بمقتضاه تتم دعوة الكونجرس (بفرعيه النواب والشيوخ) مرة كل سنة على الأقل للاستماع إلى خطاب الرئيس عن حال البلاد في الداخل والخارج. وفي 4/2/1997 كان أعضاء الكونجرس على موعد مع الرئيس كلينتون للاستماع إلى تقريره عن أحوال البلاد، الذي عادة ما يبث تليفزيونيا بحيث يصبح تقريرا إلى الأمة بأسرها. في خطابه طمأن كلينتون الجميع بأن الاتحاد قوي سياسيا وعسكريا واقتصاديا وإعلاميا. وقال: إن هذه القوة لا تسمح لجهود الأمريكيين بأن تتوقف، «لأن القرن الحادي والعشرين سيواجهنا بتحديات أشد خطورة مما عهدناه. إذ على الأمريكيين أن يكونوا من صناع الأحداث لا من مراقبيها. فقد كان لهم في السابق أعداء خارجيون (يقصد السوفيت في الأغلب) أما الآن فعدوهم الأكبر داخلي، وهو الجمود أو الإحجام عن العمل«. وحين عدد المجالات التي يتعين على الأمريكيين أن يهتموا بها في شأنهم الداخلي فإنه وضع الإصلاح التربوي على رأسها، واعلن أن هذه القضية ستكون لها الأولوية الأولى في برنامج حكمه في السنوات الأربع التالية. هذا الربط بين التربية وبين الأمن القومي يؤكده بعض الباحثين، لأنها تمثل أحد المكونات للأمن القومي المستقبلي. ومنهم من يعتبرها عنصرا متقدما على غيره في مقومات الأمن القومي، حتى يقول الدكتور قسطنطين زريق أحد أبرز المفكرين العرب: «ان التربية ليست ضمانا للبقاء فحسب، وإنما هي عامل أساسي من عوامل التطور والإصلاح«. المعنى ذاته عبر عنه التقرير الشهير الذي صدر عن حالة التعليم في الولايات المتحدة في بداية الثمانينيات، وتضمن عبارة ذاع أمرها تقول: «لو قامت قوة معادية بفرض نظام تعليمي متدني الأداء، لكان ذلك مدعاة لإعلان الحرب«. وتتلخص قصة هذا التقرير الذي كان عنوانه «أمة في خطر« تستحق الذكر. ذلك أن الإدارة الأمريكية أزعجها كثيرا أن يسبقها الاتحاد السوفيتي إلى إرسال سفينته إلى الفضاء. وحين أرادت أن تتحرى سبب تخلف الولايات المتحدة عن السوفيت في ذلك المضمار، فإنها اعتبرت أن إصلاح التعليم المدخل الطبيعي للتمكن من أسباب التفوق والتقدم العلميين. ولأجل ذلك شكل وزير التربية والتعليم في عام 1981 لجنة ضمت 18 شخصا من أكبر العقول المفكرة في الولايات المتحدة. واكتشف أعضاء اللجنة أن الأمريكيين يحتلون المرتبة الأخيرة في سلسلة الاختبارات التي عقدت بين طلابهم وطلاب 19 دولة صناعية. وأثناء بحثها وجدت اللجنة اعتقادا عاما أن التعليم هو الأساس الرئيسي لبناء المستقبل، وأنه أكثر أهمية من تنمية الصناعة ونظامها، أو بناء أقوى جيش، لأنه الأساس للاثنين. ولذلك خلص التقرير إلى أن أغلبية الأمريكيين أصبحوا على اقتناع بأن التربية هي على قائمة الأولويات لجدول أعمال الأمة. واصدرت قائمة من التوصيات التي تعيد للتربية والتعليم دورهما فى مشروع النهضة. (3) هذه شهادة تستحق الوقوف عندها في السياق الذي نحن بصدده. في أول أكتوبر الحالي نشرت صحيفة «المصري اليوم« عنوانا رئيسيا على الصفحة الأولى نصه كما يلي «سرور يهاجم نظام التعليم ويصفه بأنه فاشل وناقص« وتحت العنوان خلاصة لبعض ما دار في اجتماع لجنة التعليم والثقافة بمجلس الشعب، قال فيه الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب: انه بسبب فشل التعليم في مصر وتدهور أوضاعه، فإنه ألحق أولاده وأحفاده بمدارس التعليم الأجنبي وهو ذات الموقف الذي تبناه كثيرون من عناصر النخبة في مصر. وقد لجأوا إلى ذلك ليس حبا في التعليم الأجنبي ولكن هربا من تدهور التعليم في المدارس الحكومية. بحسب التقرير المنشور فإن الاجتماع تطرق إلى موضوع اللغة العربية التي انتقد الدكتور سرور تدهور أوضاعها وقال: إنها ليست مجرد تركيبات لغوية ولكنها وعاء لقيم وثقافة الشخصية العربية. واستطرد مطالبا لجنة التعليم بإعداد تقرير عن وضع اللغة العربية. وقد تضامن معه السيد فاروق حسني وزير الثقافة في انتقاد إهمال المؤسسات القومية للغة العربية، وقال: إن مصر تتعرض لغزو ثقافي كبير، ليس في اللغة فقط ولكن في كل ما يتصل بالهوية السياسية أيضا. وان الشباب يستخدمون الآن لغة مستحدثة شوهت العربية إلى حد كبير. في الاجتماع تحدث الدكتور محمود حافظ رئيس مجمع اللغة العربية عن الهجوم الشرس الذي تتعرض له اللغة الفصحى منذ سنوات، وتساءل: كيف يكون في مصر 250 مدرسة في مختلف مراحل التعليم، من الحضانة إلى الثانوي، تدرس مناهجها بغير اللغة العربية؟ وانتقد الشاعر فاروق شوشة عضو المجمع الدور السلبي الذي يقوم به بعض الفضائيات في تشويه اللغة العربية، وخصوصا بعد اعتمادها في برامجها على اللهجات العامية المحلية. عند القراءة الأولى لا تفوت المرء ملاحظة أن ثمة إجماعا حول تدهور التعليم في مصر، وأن المتحدثين ليسوا من المعارضة، وإنما هم بعض كبار المسئولين في الدولة، من رئيس مجلس الشعب الذي كان وزيرا للتعليم مدة أربع سنوات (1986-1990) إلى وزير الثقافة. وسوف تدهش مثلي إذا علمت أن في مصر «العربية« 250 مدرسة في مختلف مراحل التعليم تدرس مناهجها بغير اللغة العربية. القراءة الثانية ربما نبهتك إلى أن المسئولين في الدولة يرفعون أصواتهم بالشكوى مثلنا، في حين انهم المطالبون بالإسهام في حل المشكلة كل في اختصاصه. ربما نبهتك أيضا إلى خطورة المعلومة التي ذكرها الدكتور سرور عن أنه ألحق أبناءه وأحفاده في مدارس التعليم الأجنبي حتى وهو وزير التعليم، وأغلبية النخب في مصر تفعل الشيء ذاته، وهذه معلومة صحيحة، ربما جاز لي أن أصوغها على نحو آخر، هو أن الناس في مصر صنفان، قادرون لا يفكرون في إلحاق أبنائهم بالمدارس الحكومية، وغير قادرين يلعنون تلك المدارس، ويحلمون بإلحاق أبنائهم بالمدارس الأجنبية. (4) ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني ان لدينا تعليما حكوميا فاشلا او تعليما اجنبيا ناقصا. الاول يخرج نماذج ضعيفة، والثاني يشكل لنا شخصيات مشوهة ثقافيا. واذا ادركنا أن هذه هي الشرائح التي سوف تتبوأ مواقع القيادة في مؤسسات الدولة خلال العقدين القادمين، فاننا سنكون بصدد مستقبل لا يطمئن ولا يبشر بخير، هذا اذا لم تحدث معجزة بطبيعة الحال. في الفكر الاستراتيجي السليم فان انهيار التعليم على النحو الماثل امام اعيننا جميعا يهدد الامن القومي للبلد، باختصار لأنه ينتج اجيالا لا تؤتمن على تحمل مسئوليات المستقبل. وهذا بعد في المسألة مسكوت عنه، ولا ينال حقه من التقدير والاهتمام. وما قلناه بحق التعليم يسري على مختلف مواضع العافية الاخرى، من البنيان السياسي الى الانتاج والاقتصاد والخدمات، اذ ان كل تراجع في هذه المجالات يضعف من عافية المجتمع ويمس مباشرة مناعة الامن القومي. ولا يكفي ولا يجدي ان يتوافر للبلد اي نصيب من القدرة العسكرية، لأن قوة المجتمع هي خط الدفاع الذي يحسم معركة البقاء فضلا عن النهوض والتقدم. وتظل القاعدة الحاكمة في هذا الصدد ان البلد الذي يعتمد على غيره في توفير احتياجاته الاساسية فصدره عار وظهره مكشوف، وامنه بيد غيره. وهذه هي المفاجأة التي تنتظرنا اذا نظرنا من هذه الزاوية الى وجهنا في مرآة الحقيقة. function NewWin(url) { NewWindow=window.open(url, 'popUpWindow', 'resizeable=no,width=300,height=410,scrollbars=no,toolbar=no,location=no,menubar=no,status=no') } | |
|