سمير
عدد الرسائل : 22 تاريخ التسجيل : 17/05/2007
| موضوع: تجليات مكر التاريخ في إيران الأربعاء نوفمبر 14, 2007 7:22 pm | |
| تجليات مكر التاريخ في إيران
بقلم: فهمي هويدي من المفارقات التي تحسب لمكر التاريخ أن الإدارة الأمريكية بإصرارها على حصار إيران وإسقاط نظامها، فإنها قدمت أكبر خدمة للتيار المحافظ هناك. حين قوت من ساعده ودفعت الناس للالتفاف حوله والاحتماء بتشدده. (1) عند المقارنة يمزح بعض المثقفين في طهران قائلين ان العون الذي قدمه الأمريكيون من حيث لم يحتسبوا للمحافظين الإيرانيين لم يكن الوحيد في بابه، لأن الأقدار بدورها ساعدتهم وجاملتهم -يدللون على ذلك بأنه في حين شحت الأمطار وضرب الجفاف محافظتي سيستان وبلوشستان في عهد الرئيس السابق (الإصلاحي) محمد خاتمي، فإن الأمطار لم تتوقف في المنطقة ذاتها إبان عهد الرئيس أحمدي نجاد القادم من عمق المحافظين. واذ وصل سعر برميل النفط إلى 8 دولارات في عهد الأول، فإنه تجاوز تسعين دولاراً وبصدد الوصول إلى رقم مائة في عهد الثاني. وهي الملاحظة التي يعتبرها المثقفون من قبيل المصادفات السعيدة، في حين يأخذها بعض اهل الحوزة في «قم« على محمل الجد، ويعتبرونها من بركات وكرامات المحافظين. أول انطباع خرجت به من الزيارة التي حضرت خلالها مؤتمراً عن «التضامن« في العالم الإسلامي، أن ثمة انتعاشاً وثقة مخيمين على معسكر المحافظين، يقابلهما ارتباك وقلق بين الإصلاحيين. بل لعلي لا أبالغ اذا قلت ان المرء لا يكاد يسمع ذكراً للإصلاحيين إلا في أوساط المثقفين. أما المحافظون فهم الحاضر الأكبر في الشارع وفي الإدراك العام، لسبب جوهري هو أنهم أصبحوا يتصدرون الواجهات في مختلف قطاعات الدولة ومؤسساتها، التنفيذية والتشريعية والقضائية. «لا غرابة في ذلك، فهذا زمانهم«. هذه العبارة تكررت في العديد من المجالس التي شهدتها. والذين يقولون بذلك يشرحون وجهة نظرهم على النحو التالي: رغم أن الحاصل هو من قبيل تداول السلطة، الذي يعد مؤشراً إيجابياً بحد ذاته. فإن ذلك التداول فرضته ظروف كان بعضها داخلياً والبعض الآخر خارجياً. من الظروف الداخلية أن الإصلاحيين انقسموا على أنفسهم فتشتتوا وضعفوا، فجماعة الشيخ هاشمي رفسنجاني (كوادر البناء) وقفوا في جانب، وجبهة المشاركة التي وقفت وراء السيد خاتمي وقفت في جانب آخر، وفي المسافة بين الفريقين تناثرت عناصر القوى الإصلاحية. من تلك الظروف أيضاً أن الرئيس خاتمي أهتم بالتنمية السياسية وبالحريات العامة ولم يهتم بالتنمية الاقتصادية، الأمر الذي رفع من درجة المعاناة بين الناس وأشعرهم بأن أوضاعهم لم تعد أفضل في ظل حكم الإصلاحيين. من تلك الظروف كذلك أن السيد خاتمي الذي ظل طوال سنوات رئاسته (من 1997 إلى 2005م يحسن من صورة إيران في الخارج ويمد جسور التفاهم مع العواصم الغربية، رافعاً رايات الدعوة إلى حوار الحضارات، لكن هذه التحركات لم تسفر عن شيء يذكر إذ حسنت الصورة ولم تحسن الحال. بل ان حكومة خاتمي حين ذهبت في عام 2001 إلى مدى بعيد في التعاون مع الولايات المتحدة بوجه أخص، وساعدتها على إسقاط حكومة طالبان التي ناصبت طهران العداء، فإن واشنطون ردت عليها بإهانة لا تنسى. اذ كافأتها بأن ضمتها إلى «محور الشر« الذي تحدث عنه الرئيس بوش في عام .2002 (2 ) الضغوط والعوامل الخارجية كان لها دور أكبر في ترجيح كفة المحافظين واستدعائهم. ذلك أنه كلما اشتد الحصار الأمريكي والضغط الغربي على إيران، وحين يتصل الأمر بكرامة البلد وكبريائه الوطنية، فإن الناس يقابلون المهانة والحصار بمشاعر التحدي والرفض. وهذه المشاعر تدفعهم إلى الانحياز إلى القوى المخاصمة للغرب والأمريكان، باعتبار أن التطرف الغربي ينبغي ألا يقابل بتسامح إيراني. وإنما يرد عليه بتشدد مماثل، حيث لا يفل الحديد إلا الحديد. صحيح أن الذين مارسوا تلك الضغوط أمريكيين كانوا أم أوروبيين ما تمنوا خيراً لا للمحافظين ولا للإصلاحيين، وإنما أرادوا هدم البنيان على كل من فيه، إلا أن المقادير أرادت شيئاً آخر. فالسهام التي لم يكفوا عن إطلاقها تحول بعضها إلى مكافآت وهدايا قدمت بالمجان للمحافظين الأشد خصومة لهم، في حين أصاب البعض الآخر «أصدقاءهم« في معسكر الإصلاحيين، الذين فقدوا أغلبيتهم في الانتخابات النيابية التي جرت عام 2003، كما خسروا رهاناتهم على الانتخابات الرئاسية في عام 2005، فقد كان التصويت لصالح أحمدي نجاد والخسارة التي مني بها الشيخ هاشمي رفسنجاني، هما الرد الإيراني على تعنت وصلافة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة. إذ حين تصبح القوات الأمريكية مرابطة على الحدود الإيرانية في أفغانستان شرقاً، وفي العراق غرباً، وحين تصر واشنطون ودول الرباعية الدولية على حرمان إيران من حقها في تخصيب اليورانيوم، ومن ثم المضي في برنامجها النووي السلمي، وحين تحاصر إيران اقتصادياً وتجمد أموال مؤسساتها وأرصدة أربعة من مصارفها الكبيرة، فلا غرابة في ان يذهب صوت المواطن الإيراني إلى القوى المناهضة لكل هؤلاء. وهي القوى التي لم تكف منذ بداية الثورة عن استمطار اللعنات على الأمريكيين ومن لف لفهم، بالهتاف الشهير «مرك بر امريكا«، أو الموت لأمريكا، الذي صار جزءاً من شعائر صلاة كل جمعة. إزاء استمرار هذه الأجواء، وفي ظل التصعيد الأمريكي الذي لا يكف عن التلويح بالحل العسكري والتخويف من حرب عالمية ثالثة، فإن نتائج الانتخابات التشريعية التي ستجرى في شهر مارس في العام القادم (2008) تصبح شبه محسومة لصالح المحافظين. وما لم يحدث متغير جوهري، فإن الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في العام الذي يليه ستكون لصالحهم أيضاً. وهذا التفاؤل يكمن وراء مشاعر الثقة والاطمئنان التي تسود أوساط المحافظين. في مواجهة هيمنة المحافظين، فإن الإصلاحيين يحاولون في الوقت الراهن لملمة صفوفهم، ويتناقل المثقفون أخبار «التفاهمات« التي جرت مؤخراً بين أقطابهم: رفسنجاني وخاتمي وكروبي (رئيس مجلس الشورى السابق). وهناك اتفاق على أن تلك التفاهمات وثيقة الصلة بمحاولة ترتيب الأوراق قبل إجراء الانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد أربعة أشهر. وفي هذه الأجواء (في 26/10) عقد حزب جبهة المشاركة المعارض مؤتمره السنوي. وكان السيد محمد خاتمي على رأس الحاضرين في جلسة الافتتاح، كما ظهر معه عدد من الوزراء السابقين. وفي كلمته انتقد الأمين العام للحزب محسن ميرداماري بشدة أداء حكومة الرئيس الحالي، فوصف سياسته الخارجية بالطائشة. وسياسته الداخلية بالقمعية. أما السيد خاتمي فإن نقده جاء مبطناً وغامزاً في أحمدي نجاد، حيث ندد بالذين يعتبرون أنفسهم «رسلا من السماء«. فيستلهمون سياساتهم من الغيب متجاهلين خرائط الواقع وتعقيداته. (3) رياح الخطر التي تهب من الخارج صرفت الانتباه عن هموم الداخل. إذ حين تتحدث وسائل الإعلام كل صباح عن التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، والتطورات الحاصلة في الملف النووي الذي تحول إلى قضية شاغلة للرأي العام وجارحة للشعور الوطني، فإن المشكلات الحياتية للناس تتراجع أولويتها، ولا يتاح للمرء أن يتلمس أبعادها الحقيقية إلا إذا خرج من محيط المثقفين ونزل إلى الشارع. حدث ذلك معي، حين وقعت على سائق للأجرة يعرف بعض المفردات العربية والإنجليزية، ولاحظ السائق أنني أتجول بعيني متطلعا إلى غابة الأبراج العالية التي لم أرها من قبل في شمال طهران. فأشار بأصبعه إلى بناية تجاوز ارتفاعها خمسين طابقاً، وقال ان هؤلاء هم «المستكبرون الجدد«. وأخبرني بأن البناية تحمل اسم البرج الدولي، وأن ملاكها من كبار رجال الأعمال، وعلمت منه أن ثمة برجاً آخر بارتفاع 70 طابقاً أقامته بلدية طهران للمكاتب التجارية، وأطلقت عليه اسم «ميلاد النور«، وأن أسعار الشقق في أمثال تلك الأبراج أصبحت تقدر بملايين الدولارات، حيث وصل متوسط سعر المتر الواحد في المساكن الجديدة إلى خمسة آلاف دولار. اثارت انتباهي ملاحظات الرجل، وحديثه عن المستكبرين الجدد. وحين تحريت الأمر وجدت أن طبقة رجال الأعمال والتجار الكبار انتعشت في السنوات الأخيرة، مع الاتجاه إلى الخصخصة وبيع الوحدات المملوكة للدولة، وأن ذلك الانتعاش انعكس على الانفجار العمراني وغابة الأبراج التي ظهرت في شمال العاصمة. في حين أن الأحياء الشعبية في الجنوب بقيت كما هي، إذ باستثناء محال البقالة الكبيرة (السوبرماركت) التي غزت منطقة الجنوب، فإن الأبنية المتواضعة والمتراصة بقيت على حالها. ولأن أغلبية الإيرانيين (70%) يعيشون في بيوت مملوكة وليست مستأجرة - وذلك تقليد ينفردون به - فإن الأجيال الجديدة من الشبان أصبحت عاجزة عن الحصول على المسكن المناسب. فلم يعودوا قادرين على الشراء، ولأن المعروض للإيجار من المساكن قليل في حين أن الطلب أكثر من العرض، فإن الإيجارات أصبحت فوق طاقتهم، وأصبح الإيجار بالرهن أحد الحلول المؤقتة للمشكلة، بحيث يدفع الشاب كل مدخراته للمالك (20أو30 ألف دولار مثلاً) بحيث يسكن بالمجان مدة سنة أو اثنتين، وفي نهاية المدة يحصل على المبلغ الذي دفعه كما هو. ويفترض في هذه الحالة أن الطرفين استفادا، فالمالك حصل على مبلغ يمكن استثماره في السوق بما يحقق له عائداً قد يتجاوز قيمة الأجرة الشهرية. أما المستأجر فإنه سكن بالمجان خلال تلك الفترة، ثم استرد ما دفعه بعد ذلك. إلى جانب مشكلة السكن هناك شكوى شديدة من الغلاء الذي أصبحت الطبقات المتوسطة والفقيرة تعانيه بشدة، فالتضخم الذي وصلت نسبته طبقاً لتقديرات البنك المركزي إلى 13.5% في مارس الماضي، زاد إلى 15.8% في أكتوبر، وهذه النسبة ارتفعت إلى 18% في المدن، وإذا كان الريف بحكم طبيعته الزراعية يعاني البطالة المقنعة، فإن المشكلة أكثر ظهوراً في المدن التي أصبحت بطالة الشباب ظاهرة مرئية في الشوارع، ولم تنجح الحكومة في حلها. (4) منذ أن تولى أحمدي نجاد منصبه في عام 2005، فإنه ظل يصطحب مجلس الوزراء بكامل هيئته ليقضي كل شهر أسبوعاً في إحدى المحافظات للاطلاع على مشكلات الناس على الطبيعة ومحاولة حلها. وقد أكمل حتى الآن زيارة المحافظات الثلاثين في البلاد، وفهمت أنه يستعد لجولة ثانية مع بداية العام الجديد. لكن من الواضح أن زياراته مكنته من تعرّف المشكلات، التي كانت فوق قدرته على حلها. وفي الوقت الراهن فإنه إذا كان عدم اليقين يخيم على الأفق السياسي بسبب التهديد بالحرب لوقف المشروع النووي، فإن شبح الركود الاقتصادي يكاد يمشي على الأرض بعدما تزايدت ضغوط المقاطعة الاقتصادية التي لابد لها أن تؤثر سلباً في انطلاقة الصناعة في إيران، بعدما شهدت نمواً ملحوظاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وهي الورقة التي يستخدمها الإصلاحيون في تكثيف هجومهم على حكومة أحمدي نجاد لكسب جولة الانتخابات البرلمانية. الأمر الذي يعني أن الرجل يخوض معركته على جبهتين، داخلية وخارجية. الأولى يدافع فيها عن سياسته والثانية يدافع فيها عن بلده. وحتى الآن فإن الاحتشاد وراءه على الجبهة الثانية أقوى وأكبر من الاحتشاد الذي حققه على الجبهة الأولى. والمعركة الأولى إيرانية بامتياز، لكن الصمود أو كسب المعركة الثانية أمر وثيق الصلة بالأمن القومي العربي، رغم أن البعض منا عميت أبصارهم عن تلك الحقيقة. | |
|