said63 منتديات شباب العارب
عدد الرسائل : 4133 العمر : 60 تاريخ التسجيل : 14/02/2007
| موضوع: أفراحهم وأتراحنا.. للكاتب الكبير فهمي هويدي الأربعاء أبريل 18, 2007 10:19 pm | |
| أفراحـهم وأتراحنــا بقلم: فهمـي هـويـــديتأبي المقادير إلا أن تبعث لنا في ثنايا أخبار الساعة, برسائل لها مفعولها في التنبيه والإيقاظ, علها تبصرنا بالفرق بين ممارسات الديمقراطية الحقيقية, وتلك المزورة والمغشوشة. (1) أرأيت الذي حدث في موريتانيا؟ إنهم يقيمون عرسهم الكبير بعد غد( الخميس4/19) حين يسلم قائد الانقلاب العقيد أعلي ولد محمد فال السلطة في البلاد الي رئيس الجمهورية الجديد, الذي فاز في انتخابات حرة شهد الجميع بنزاهتها. وهو مشهد غير مألوف في خبرة العالم العربي. إذ باستثناء ما فعله الفريق عبدالرحمن سوار الذهب في عام1985, حين قاد انقلابا ضد الرئيس جعفر النميري, ثم سلم السلطة للمدنيين وانصرف, فإننا لم نعرف ضابطا فعلها في التاريخ العربي المعاصر.
عن نفسي, أعترف بأنني في البداية لم أصدق ما قاله العقيد ولد محمد فال, عقب الانقلاب الذي قاده في صيف عام2005, من أنه سوف يجري انتخابات تسليم السلطة للمدنيين خلال سنتين, إلا إذا رأيته بعيني علي شاشة التليفزيون وهو يسلم السلطة لخلفه. وأحسب أنني لم أكن الوحيد في ذلك, لأن المواطن العربي العادي كثيرا ما استمع الي وعود كثيرة من ذلك القبيل, تم التراجع عنها في نهاية المطاف استنادا الي ذرائع شتي, أكثرها شيوعا تلك التي تدعي أن الوعد ظل قائما طول الوقت, والوفاء به لم يتراجع قيد أنملة, حتي مارست الجماهير ضغوطها وأصدرت أمرها بالاستمرار في اللحظة الأخيرة, ولم يكن هناك مفر من الامتثال لارادتها!
بدد شكوكي وخيب ظني العقيد ولد محمد فال, حيث مضي في تنفيذ ما وعد به, بإصدار دستور جديد جعل مدة الرئاسة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط, والي جانب بعض الاصلاحات التي أشرف عليها المجلس العسكري الذي رأسه, فإن المجلس أشرف علي إجراء انتخابات نيابية حرة, أعقبتها انتخابات رئاسية فريدة من نوعها في العالم العربي, تنافس فيها ثلاثة أشخاص, جرت الإعادة بين اثنين منهم في جولة ثانية, ونظمت مناظرة بين الاثنين تابعتها الجماهير الموريتانية( تعداد السكان ثلاثة ملايين), وفي الاقتراع فاز المرشح سيد ولد الشيخ عبدالله بنسبة52,85% من الأصوات, في حين حصل منافسه أحمد ولد داده علي47,15% من الأصوات, وبذلك طويت صفحة الحكم العسكري, حتي اشعار آخر علي الأقل,
ورغم أن الرجل وعد بتسليم السلطة للمدنيين بعد سنتين, فإنه استطاع انجاز المهمة خلال19 شهرا, فقرر إنهاء دوره قبل خمسة أشهر من الموعد الذي ضربه, علي نحو قلب الصورة المستقرة في أذهاننا, إذ في حين تصر الأغلبية الساحقة من الجالسين علي الكراسي علي استخدام مختلف الذرائع لتمديد أجل البقاء في السلطة, فإن صاحبنا هذا زهد فيها وتنازل عنها في أول فرصة سنحت له ـ أليس هذا عجيبا؟!. (2) العجيبة الثانية وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية, وتمثلت في موقف الكونجرس المتحدي للرئيس بوش, الي درجة غير مسبوقة, هذا التحدي تجلي ليس فقط في رفض سياسته, والمطالبة بجدولة سحب القوات الأمريكية من العراق ولا في رفض الاجتماع به في البيت الأبيض للتشاور معه في مشروع قانون تمويل الحرب, وانما أيضا في تجاوز دور التشريع والرقابة علي أداء الحكومة, والدخول في القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمن القومي.
حين قرأت في تصريحات السيدة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب قولها إنه علي السيد جورج بوش أن يدرك أن هناك كونجرس جديدا في المدينة, لم أستوعب العبارة لأول وهلة, حيث لم يخطر علي بالي أن رئيسة مجلس النواب يمكن أن تنذر رئيس الجمهورية وتقرعه, منبهة إياه الي أهمية أن يلزم حدوده, بحيث يعرف مع من يتكلم!.
هذه اللغة التي لا تألفها أذهاننا, يتعذر علينا استيعابها إلا بعد التكرار والشرح, فمبلغ علمنا أن أي مجلس جديد لا يختلف عادة عن القديم, وأن خطاب رئاسة المجلس يظل صدي لخطاب رئيس الدولة, وان اجتماع أعضاء المجلس مع رئيس الدولة هو يوم عيد يزهو به المدعوون للحضور, ويعلقون صور اللقاء في صدارة مجالسهم. أما أن تتكلم رئاسة المجلس بهذه الطريقة وتوجه انذارا وتحذيرا للرئيس, أو أن يرفض الأعضاء الاجتماع به تحديا واستعلاء, فمن أعجب العجائب وأغربها.
لست معجبا بالسيدة بيلوسي بسبب استسلامها للانحياز الإسرائيلي, الذي لا يستطيع أن يتخلص منه أي سياسي أمريكي طموح, إلا أنني سأفصل بين هذا الموقف وبين سلوكها كرئيسة لمجلس النواب تملك شرعية الاستقلال عن الرئيس وحرية نقد سياسته. وكانت النقطة الأبرز التي سجلتها علي ذلك الصعيد, هي الزيارة التي قامت بها لسوريا ولقاءها مع الرئيس بشار الأسد, بصحبة عدد من أعضاء الكونجرس, وبرغم أن الزيارة تمت منذ أسبوعين( في4 ابريل) فإنها مازالت محل جدل بين أهل السياسة في الولايات المتحدة, ذلك أن هذه الخطوة بدت وكأنها صفعة موجهة الي السياسة الخارجية للرئيس بوش, وهو ما عبر عنه جيم فيلبس خبير الشرق الأوسط في هيريتيدج فاونديشن( مؤسسة التراث) حين قال: إن الإدارة الأمريكية تحاول الضغط علي دمشق, في حين أن زيارة بيلوسي تمت في اتجاه معاكس, من شأنه التخفيف من هذه الضغوط.
نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني وصف زيارة بيلوسي بأنها سلوك سيئ, وفي ردها عليه قالت إن كلامه لا يفاجئها, وأن لأعضاء الكونجرس مسئولية في لعب دور في القضايا ذات الصلة بالأمن القومي, فضلا عن الحاجة الي جمعهم المعلومات بأنفسهم, بدلا من الاعتماد علي البيت الأبيض ـ صدق أو لا تصدق.
(3)العجيبة الثالثة في فرنسا, التي تجري فيها الانتخابات الرئاسية خلال أيام قليلة( الأحد4/22), لشغل المقعد الذي يخلو بخروج الرئيس الحالي جاك شيراك من المشهد السياسي, بعدما أمضي عشر سنوات في منصبه, وجه العجب من وجهة نظرنا بطبيعة الحال, أن المنصب يتنافس عليه أربعة مرشحين أقوياء, وأن استطلاعات الرأي ترصد حركتهم يوما بعد يوم, والخرائط التي تنشرها كل شهر مراكز استطلاع الرأي في باريس تشد أعصاب الناخبين, بقدر ما تبدو لمواطني العالم العربي طلاسم وألغازا, وهو المواطن الذي اعتاد أن يسترخي في بيته في مثل هذه المناسبات, متأكدا من النتيجة دون أن يدلي بصوته.
وقعت علي واحدة من تلك الخرائط التي تثير الاهتمام في فرنسا, وكانت أنصبة المرشحين من تأييد الرأي العام حتي يوم7 ابريل كما يلي: * نيكولا ساركوزي مرشح اليمين الحاكم, كانت نسبة مؤيديه في13 يناير33%, زادت0,5% في13 فبراير, وهبطت الي29% في27 فبراير, والي26% في17 مارس, وظلت كما هي في24 مارس, ثم ارتفعت الي29,5% في7 ابريل. * سيجولين رويال, مرشحة الاشتراكيين, كانت نسبة مؤيديها28% في13 يناير, لكن النسبة هبطت قليلا ووصلت الي26% في13 فبراير, ثم هبطت قليلا(25,5%) في27 فبراير, وأصبحت24% في17 مارس, ثم25% في24 مارس, ووصلت الي22% في7 ابريل. * فرانسوا بايرو, مرشح الوسط: بدأ في ذات التاريخ بتأييد12% ارتفعت في13 فبراير الي14%, ثم وصلت في27 فبراير الي19% وارتفعت في17 مارس الي22,5% ثم الي22% في24 مارس, واستقرت عند19% مرة أخري في7 ابريل. * جان ماري لوبان مرشح اليمين المتطرف, بدأ بنسبة10% التي ظلت ثابتة في13 فبراير ولكنها انخفضت الي12% في27 فبراير ثم24% في17 مارس وزادت نصفا في المائة في24 مارس, واستقرت عند14% في7 ابريل.
واضح من هذه المعلومات أنها ترجح كفة ساركوزي, لذلك فإن أكثر السهام موجهة ضده, بتركيز خاص علي نقاط ضعفه التي من أهمها أنه ليس من أصول فرنسية( أبوه مجري الأصل وأمه من سالونيكيا باليونان), ثم ان علاقته بالمهاجرين غير جيدة, بسبب ازدرائه لهم ووصفهم بأنه حثالة, حين كان وزيرا للداخلية, في عقب الاضطرابات العنيفة التي شهدتها ضواحي باريس في العام الماضي( لا يستطيع أحد أن يتحدث عن أصوله اليهودية, حتي لا يتهم بالعنصرية).
ما يثير الانتباه في ذلك السياق ليس فقط تعدد البدائل لشاغل المنصب, ولا القوة النسبية للمرشحين الذين تتراوح نسبة التأييد لهم ما بين29,5% و14%, ولكن أيضا الجدية البالغة التي أخذت بها العملية وعكست اهتمام الرأي العام بالموضوع, الذي يتعامل مع السباق باعتباره معركة حقيقية وليس تمثيلية سياسية.
(4)العجيبة الرابعة في كييف عاصمة أوكرانيا, التي تحولت الي الديمقراطية بشروطها, دون غش أو تزييف, بعد انتصار الثورة البرتقالية في عام2004. ذلك أن الذين صوتوا للثورة في ذلك العام, خذلوها في انتخابات العام الماضي, وصوتوا لحزب الأقاليم المعارض المتحالف مع الحزبين الشيوعي ـ الاشتراكي. وكانت النتيجة أن أصبح علي رأس الجمهورية فيكتور يوتشينكو الذي سعي الي تغريب أوكرانيا وضمها الي حلف الأطلسي, بينما رأس الحكومة فيكتور يانوكوفيتش القريب من موسكو والذي يتمتع بأغلبية برلمانية.
وكان طبيعيا أن تتأزم العلاقة بين الطرفين, الأمر الذي دفع الرئيس يوتشينكو الي اصدار مرسوم في بداية الشهر الحالي بحل البرلمان, وإجراء انتخابات جديدة. لكن البرلمان رفض المرسوم واعتبره غير دستوري, وواصل اجتماعاته كالمعتاد, في حين رفضت النيابة العامة التحقيق مع رئيس الوزراء الذي اتهمه رئيس الجمهورية باغتصاب السلطة, لأن هناك طعنا دستوريا في قراره, والأمر الآن بين يدي المحكمة الدستورية التي يحاول الرئيس يوتشينكو التأثير عليها, في حين أن مؤيدي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يتمترسون في الشوارع, تحسبا لأي احتمالات.
لست في مقام تحليل موقف الطرفين, ولكن أكثر ما يهمني في المشهد هو الحيوية التي دبت في المجتمع ومؤسساته ووفرت لها قدرا من المناعة مكنتها من الصمود أمام تغول رئيس الدولة, الذي لم يعد مرسومه ولا كلامه آخر كلام, وتلك لعمري عجيبة أخري.
(5)حين يقرأ المواطن العربي رسائل هذه الأخبار ويقف علي دلالتها في التعبير عن قوة المجتمعات والمؤسسات, فإنه لابد أن يصاب بالاكتئاب والحسرة, اذا ما رفع رأسه وتلفت حوله, مادا بصره من المحيط الي الخليج, إذ سيجد أن الحيوية والآفاق المفتوحة التي يراها في الأخبار, تقابلها علي الجانب الآخر بحيرة من الركود والجمود, ومساحة شاسعة من الأفق المسدود, وسيكتشف أنهم هناك يقيمون بنيانهم ويراهنون علي تحصينه وارتفاع طوابقه, بينما عالمنا العربي لايزال عاكفا علي تحسس التربة ومحاولة رأب صدوعها. | |
|