waiel
عدد الرسائل : 2 تاريخ التسجيل : 18/12/2007
| موضوع: المسكوت عنه في قضية الدعم..بقلم: فهمـي هـويـــدي الثلاثاء ديسمبر 18, 2007 2:24 pm | |
| المسكوت عنه في قضية الدعم بقلم: فهمـي هـويـــدي | التبس الامر علينا, إذ بعدما تصورنا الدعم حلا لمشكلة; فإننا فوجئنا هذه الايام بأنه ذاته أصبح مشكلة تبحث عن حل...! (1) في معاجم العرب فإن الدعم يقصد به السند الذي يحول دون الميل أو الوقوع, وعند ابن منظور في لسان العرب فإن دعم الشيء إقامته إذا مال, والداعم هو القادر وذو المال الكثير, وعند صاحب المحيط فإن الدعم أن تقيم المائل وتقويه بدعامة تدعمه من خلفه, وهو نفسه ما يقوله صاحب المنجد, فدعم الشيء سنده لئلا يميل وأعانه وقواه, وأدعم اتكأ علي الدعامة واستند, ودعامة القوم سيدهم.
والدعم في الاقتصاد ليس منة من أحد ولا منحة, ولكنه بعض الواجب الذي ينبغي أن تنهض به الدولة لحماية الضعفاء والمهمشين, وهو يمثل المبالغ التي تدفعها الدولة, بصورة مباشرة أو غير مباشرة, لكي تقدم السلع والخدمات بأسعار تقل عن تكلفتها الحقيقية, لكي تخفف علي أولئك الضعفاء أعباء الحياة وتعينهم عليها.
وفي التعريف الاقتصادي ينصرف الدعم إلي المبالغ المدفوعة فعلا, أما الفرق بين السلعة تنتج محليا وبين قيمتها بالأسعار العالمية( كما هو الحاصل في البترول مثلا), فلا يعد دعما, وإنما هو فروق أسعار أو فرص ضائعة, وكما يقول الدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد الأسبق, فإنه لا يجوز اعتبار هذه الفروق دعما, إلا إذا احتسبت جميع الأسعار بهذه الطريقة, بما فيها الأجور والرواتب.
تقليديا فإن الدعم المالي كانت تقدمه الدولة لتوفير المواد الغذائية الأساسية للناس, مثل الخبز والسكر والزيت, بالإضافة إلي دعم القروض الميسرة للإسكان الشعبي ودعم المزارعين وألبان الأطفال والأدوية وغير ذلك, وحتي سنة ألفين فإن قيمة هذا الدعم كانت في حدود خمسة مليارات جنيه سنويا, وابتداء من سنة2005 وصلت قيمة الدعم في الموازنة إلي أكثر من عشرة أضعاف ذلك الرقم( نحو54 مليار جنيه), وقدر في موازنة العالم المالي الجديد(2008/2007) بمبلغ64.46 مليار جنيه, وهو مبلغ يعادل ربع المصروفات في الموازنة(241.500 مليار جنيه), وهذا المبلغ مرشح للزيادة حسبما أعلن وزير المالية في لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب, علي نحو سيصل به إلي35% أو أكثر من المصروفات, الأمر الذي يحول الدعم إلي مشكلة تنوء بحملها ميزانية الدولة. (2) من أين جاءت المشكلة؟ هناك ثلاثة مصادر أساسية للمشكلة هي: * أنه حدث تغير جوهري في بنود الميزانية ابتداء من عام2006, بمقتضاه أدخلت المنتجات البترولية ضمن السلع المدعومة, برغم أن80% منها ينتج محليا ولا يحمل الدولة سوي سعر تكلفة الإنتاج, و20% فقط يتم شراؤه بالأسعار العالمية, وجري حساب كل ما يستهلك بالسعر العالمي, الأمر الذي أضاف إلي خانة الدعم في الموازنة36.500 مليار جنيه قيمة الدعم الضمني للنفط والغاز. الأمر الثاني أنه في العام التالي مباشرة تمت إضافة الكهرباء التي تنتجها المحطات المحلية إلي قائمة السلع المدعومة, بعد احتساب قيمتها بالأسعار العالمية أيضا, مما حمل البند بمبلغ ملياري جنيه جديدة, وكان من الطبيعي أن يقفز رقم الدعم حاليا بعد هاتين الإضافتين. * أن الأسعار العالمية للسلع ارتفعت بمعدلات لم تكن في الحسبان, فالسلع التموينية الأساسية كالخبز والسكر والزيت, بالإضافة إلي الأرز والعدس والفول, كان ينفق عليها ثلاثة مليارات و670 مليون جنيه عام2001, ووصل الرقم إلي أكثر من تسعة مليارات في عام2007, وفي العام الأخير فإن طن القمح الذي احتسب في الموازنة بمبلغ200 دولار وصل سعره في السوق العالمية إلي350 دولارا. * أن ميزانية الدولة أصبحت تعاني عجزا كبيرا يتزايد كل عام, نتيجة لزيادة المصروفات علي الإيرادات, وهذا العجز قدرت قيمته في العام الجديد بنحو70 مليار جنيه, وهو مبلغ يقارب قيمة الدعم المرصود بالموازنة في وضعها الأخير, من شأن استمرار ذلك العجز أن تحمل الأجيال المقبلة بأعباء القروض التي تتم لتغطيته. وهو ما يعاقبها بأوزارنا ويضيف إليها أثقالا لا ذنب لها فيها, وحين ارتأي البعض أنه من الممكن تخفيض العجز عن طريق التخفيف من أعباء الدعم فإن المنطق لم يختلف كثيرا عمن حاول أن يتجنب حفرة فوقع في بئر, لأن من شأن تخفيف الدعم أن يثقل كاهل الفقراء, الأمر الذي قد تكون له آثاره الاجتماعية غير الحميدة. (3) للمشكلة أبعاد أخري لا تظهرها الأرقام, ذلك أن الدعم الذي تأسست فكرته علي مساندة الذي مال حاله, أصبح نهبا للذي فسدت ذمته وكثر ماله, ذلك أن ثمة قرائن دالة علي أن الدعم بصورته الراهنة يستفيد منه الأثرياء والوسطاء بأكثر مما يستفيد المعوذون والفقراء, وعند الحد الأدني فإن الأولين أصبحوا يزاحمون الأخيرين في الدعم ويستأثرون بقدر منه لا يستهان به.. كيف؟
تلقيت رسالة من المهندس أشرف بدر الدين عضو مجلس الشعب وعضو لجنة الخطة والموازنة تجيب علي التساؤل من خلال التفرقة بين الدعم المقدم للمواد التموينية الأساسية, وذلك الذي ينسب إلي المواد البترولية والكهرباء. فالمواد التموينية التي تدعم بتسعة مليارت ونصف المليار جنيه, منها خمسة مليارات إلا ربعا للخبز وحده, تتعرض دائما للعبث والنهب, خصوصا الخبز, ذلك أن عصابات التجار بالتواطؤ مع مفتشي التموين تسطو علي الدقيق وتتولي بيعه في السوق السوداء, حتي إن جوال الدقيق الذي يحصل عليه صاحب المخبز بـ16 جنيها أصبح يباع في السوق السوداء بمبلغ280 جنيها, سواء لأصحاب محال الحلويات أو لتجار علف الحيوانات الذين وجدوا أن الخبز حين يقدم للماشية أرخص من العلف الذي يباع في السوق, وحين يجد صاحب الخبز أن الجوال إذا حوله إلي أرغفة فإنه يكسب فيه25 جنيها بعد خصم أجرة المكان والعمالة, في حين أن بوسعه أن يبيعه في السوق السوداء بأكثر من17 ضعفا لقيمته الحقيقية, فإنه لا يتردد في تسريب الأجولة التي يتلقاها إلي تلك السوق بأي وسيلة.
ومن الملاحظات الطريفة في هذا الصدد أنه حين تم إعدام أعداد كبيرة من الطيور في الشتاء الماضي, ضمن إجراءات مكافحة انفلونزا الطيور, فإن الخبز توافر بكثرة في الأسواق, لأن التجار لم يجدوا مبررا لشرائه بعد التخلص من الطيور.
أشار المهندس أشرف إلي دراسة مهمة أجراها المركز المصري للدراسات الاقتصادية عالجت موضوع دعم المواد البترولية والغاز الطبيعي, وسلطت الضوء علي بعض حقائقه المثيرة, من تلك الحقائق مثلا أن ذلك الدعم يتجاوز بكثير ما ينفق علي مجالات الخدمات التي تقدم إلي عامة الناس, فهو يعادل146% من مخصصات التعليم, و439% بالنسبة للصحة, و231% بالنسبة للدفاع.
من تلك الحقائق المثيرة أيضا أن المصانع الكبري التي تستخدم الطاقة بكثافة, مثل مصانع السماد والأسمنت والحديد وغيرها, تحقق أرباحا سنوية تتراوح بين20% و40%, ومع ذلك فإنها تتلقي دعما للطاقة لا مبرر له, فالحكومة تقدم30 جنيها دعما للطاقة اللازمة لإنتاج طن الأسمنت, في حين أن الشركات المنتجة(95% منها أجنبية) تربح ما يزيد علي200 جنيه في الطن, وهي تدعم إنتاج طن الحديد بمبلغ36.5 جنيه, في حين أن ربحه1300 جنيه, كما تدعم إنتاج كل طن للسماد بمبلغ167 جنيها, في حين أن ربحية الطن تتجاوز1500 جنيه.
ذكرت الدراسة أيضا أن قطاع السياحة يستهلك22% من الديزل, أي أنه يتلقي دعما من المنتجات البترولية بقيمة تتجاوز3 مليارات و600 مليون جنيه, علما بأن دعم البنزين بمختلف أنواعه في حدود4 مليارات جنيه, كما أن دعم الغاز الطبيعي يقدر بنحو22 مليار جنيه( منها5 مليارات دعما للغاز المصدر إلي أمريكا وفرنسا وانجلترا واسبانيا وإسرائيل).
أضافت الرسالة أن حفنة من رجال الأعمال والمستثمرين يحصلون علي دعم مباشر آخر تحت مسمي تنشيط الصادرات قدرت قيمته في موازنة العام الحالي بملياري جنيه بغير عائد يذكر.( ذكر تقرير البنك المركزي أن الصادرات المصرية غير البترولية تراجعت في العام الماضي بنسبة3.5%). ومن المفارقات في هذا الصدد أن مبلغ الدعم المخصص لمعاش الضمان الاجتماعي الذي تستفيد منه أكثر من مليون أسرة يقدر بنحو نصف هذا المبلغ, إذ هو في حدود مليار ومائة مليون جنيه فقط لا غير.
لم تكن هذه هي المفارقة الوحيدة, لأن بنود الميزانية حافلة بمفارقات أخري, منها مثلا أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون حصل في ميزانية العام الحالي علي دعم تجاوز مليارا ونصف المليون جنيه, منها مليار جنيه عبارة عن خسائر تتحملها الدولة! (4) ما العمل؟ الإجابة ليست سهلة, والخبراء الذين تحدثت إليهم في الموضوع لهم آراء كثيرة, تستحق أن تناقش وتصفي في لقاء أتمني أن يرتب بينهم وبين المسئولين عن القرار الاقتصادي, وأرجو ألا أكون مخلا بآرائهم إذا اختصرت أبرزها في النقاط التالية: * أن دعم الخبز والسلع الأساسية ينبغي ألا يمس, وبدلا من أن تبذل الدولة جهدا مضنيا لتحديد الأعداد الهائلة من المستحقين, لماذا لا تبذل عشر معشار ذلك الجهد في الضرب بيد من حديد علي المافيات التي تعبث بقوت الناس, وأزعم أنه لو حوسب هؤلاء بنفس الشدة التي يحاسب بها الذين يقدمون لمحاكم أمن الدولة لحل الإشكال, وانفرجت الأزمة. * أن الطاقة ينبغي أن يستمر دعمها لجماهير المستهلكين العاديين, ولا محل لبيعها بالسعر المدعم لذوي الدخول المرتفعة وأصحاب المصانع الكبيرة الذين ثبت أن أرباحهم الكبيرة لن تتأثر كثيرا إذا حصلوا علي الكهرباء والغاز والبنزين بأسعارها العالمية غير المدعومة. * أن السياسة الاقتصادية بحاجة إلي إعادة نظر من جوانب عدة في مقدمتها الاهتمام بقضية الإنتاج, ومكافحة التهرب الضريبي, بعدما تبين أن الفقراء ومتوسطي الحال يدفعون حصة منها تتجاوز ما يدفعه أكابر رجال الأعمال وحيتان السوق في مصر, كما يشدد أولئك الخبراء علي أهمية مراجعة أوجه الإنفاق وإيقاف الهدر غير المبرر فيها.
من غريب ما سمعت في هذه النقطة الأخيرة أن مصر التي تدفع22 مليار جنيه دعما للغاز الطبيعي تنتج غازا يكفي الاستهلاك المحلي, لكنها وقعت اتفاقيات مجحفة مدتها25 سنة, تلزمها بشراء حصة الشريك الأجنبي في عملية الإنتاج, وبمقتضي تلك الاتفاقات فإن ذلك الشريك يأخذ حصته من الغاز بالسعر القديم والثابت, في حين تشتريها منه مصر بالأسعار العالمية المتزايدة, ولكي تشتري الغاز فلابد من تسييله الذي تتحمل مصر مسئوليته, وقد أنشئت عدة محطات تسييل لهذا الغرض, تكلفة واحدة منها فقط( في ادكو)25 مليار جنيه!
لكثرة وأهمية الملاحظات التي سمعتها من الخبراء الاقتصاديين فإنني اقتنعت بأن سياسة الحكومة التي تتصدي لقضية الدعم هي نفسها أولي بالمراجعة والدعم.
|
| |
|