سمير
عدد الرسائل : 22 تاريخ التسجيل : 17/05/2007
| موضوع: هل الصهيونية حركة رومانتيكية؟ الخميس يونيو 07, 2007 8:50 pm | |
| هل الصهيونية حركة رومانتيكية؟ مقال تطبيقى فى المنهج بقلم : عبد الوهاب المسيري أصبحت كلمة "موضوعية" مصطلحاً أساسياً فى خطابنا التحليلى، العلمى واليومى، وأصبحت عبارة "فلتكن موضوعياً" من أكثر العبارات شيوعاً، وهى تعنى أن على المرء أن يتحلى بالحياد والتجرد من الذاتية ومن قيمه المعرفية والأخلاقية وانتماءاته القومية والأيديولوجية حين يقوم بدراسة ظاهرة ما، فلا يقحم رغباته أو أهوائه أو انتماءاته أو القومية، وهذه أمور ولا شك إيجابية. ولكن أصبحت الموضوعية تعنى عند البعض تلقى المعلومات بشكل سلبى ورصدها رصداً تراكمياً وتدوينها دون أن يرى علاقاتها بعضها بالبعض ("ويرص كلاماً / فوق كلام / تحت كلام" على حد قول صلاح الدين عبد الصبور)، وكأن المعرفة الحقة هى حشد المعلومات، وكأنه لا يوجد فرق بين الرؤية ونشره الأخبار وبين التفسير والتدوين. إن الموضوعية فى تصور هؤلاء هى التجرد من الذاكرة والهوية والقيم والعواطف والأحاسيس، وهذا أمر بطبيعة الحال مستحيل، فهل يمكن للإنسان أن يرصد سقوط حجر من علٍ مثلما يرصد سقوط طفل؟ وهل يمكن أن ندرس سلوك اسرة من الدجاج مثلما ندرس سلوك أسرة من البشر؟ وهل يمكن أن نرصد مذبحة تقع فى فلسطين أو حادثة سقوط طائرة تحمل مائتى راكب فى المحيط مثلما نرصد زلزالاً وقع فى جزيرة غير مأهولة بالسكان؟
النموذج الإدراكى والتحليلى لكل هذا أذهب إلى أنه من الضرورى أن نميز بين الموضوعية المتلقية السلبية من جهة، والموضوعية الاجتهادية الإيجابية من جهة أخرى. والموضوعية المتلقية هى التلقى المادى السلبى للمعلومات الذى يؤدى إلى تراكم المعلومات الصماء، المعلومة فوق الأخرى. ولكن المعلومة فى حد ذاتها لا تقول شيئاً،بل إنها قد تخبئ كثيراً من الرؤى والتضمينات الفلسفية والمعرفية المتحيزة. ولكن هل هذا يعنى أن نلجأ للذاتية المحضة؟ بالطبع لا، فالمعرفة النابعة من ذات الباحث وحدها دون العودة للواقع الموضوعى لا تفيد كثيراً بل إنها قد تضلله. كيف يمكن إذاً فك هذه العقدة التى يواجهها الباحث فى كل العلوم الإنسانية، بل وأحياناً فى العلوم التطبيقية؟ أذهب إلى أن ما أسميه التفسيرية قد يساعدنا على حل هذه الإشكالية عن طريق المزج بين القطبين (الذات والموضوع). فالتفسيرية ترفض كلاً من الموضوعية المادية المتلقية والذاتية المغلقة على نفسها، فهى تنطلق من تقبُّل ثنائية الإنسان والطبيعة/المادة وبالتالي ثنائية الذات والموضوع ولا تحاول إلغائهما، وإنما تحاول الوصول إلى المنطقة التي تلتقي فيها الذات بالموضوع، فهي تستعيد الفاعل الإنساني في كل تركيبيته ككائن يعيش فى عالم الطبيعة والمادة رغم أنه متجاوز لهما. إن المنهج التفسيرى لا يهدف إلى حشد أكبر قدر ممكن من المعلومات ورصدها في حد ذاتها بطريقة موضوعية سلبية متلقية (فالحاسوب يقوم بهذا على أكمل وجه). كما أنها ترفض أن يحلق الباحث فى فضائه الأيديولوجى أو الأخلاقى (الذاتى) الخاص. تذهب التفسيرية إلى أن الحقائق غير الحقيقة. فالحقائق بطبيعة الحال هى نقطة البدء فى أى بحث ولكنها مجرد معطى مادى ومادة أرشيفية. أما الحقيقة فهى ثمرة عملية إبداعية يقوم بها العقل الإنسانى فيقوم بالربط بين المعلومات واستخلاص أنماط متكررة منها من خلال عملية تجريد إبداعية. إن التفسيرية تنطلق من إدراك أن ما يرصده الباحث بشكل مباشر هو مجرد مادة خام أولية، وبالتالي فالأرقام والإحصائيات والمعلومات والحقائق ليست نهائية. ولذا فالمنهج التفسيري يحاول تجاوز المضمون الواضح المباشر والمعلومات المتراكمة ويهدف إلى تصنيف المعلومات وتنظيمها وتحديد الجوهري والهامشي منها ثم وضعها داخل نمط متكرر، وأن يرصد العوامل المكونة للظاهرة الإنسانية في تفاعلها. كل هذا يتم بهدف اكتشاف العلاقات المتشابكة التي تكوِّن الظاهرة حتى يمكن تفسيرها (وهذا ما لا يمكن للحاسوب أن يقوم به)، وصولاً إلى بنية الفكر أو الظاهرة وأبعادهما المعرفية والعلاقات الكامنة التي تشكل هويتهما ومنحناهما الخاص. إن هدف العملية البحثية من منظور المنهج التفسيرى ليس حشد المعلومات وإنما تفسيرها، أى أن مركز العملية البحثية ينتقل من عالم الأشياء والمعلومات إلى العقل الإنسانى الفعال، بما فطره الله فيه من مقدرات وأفكار أولية. والمنهج التفسيرى –كما أسلفنا- يهدف إلى وضع الحقائق داخل نمط متكرر. وهو ما نشير إليه بأنه النموذج. وأعرّف النموذج بأنه بنية تصورية يجردها الباحث من كمٍّ هائل من العلاقات والتفاصيل والوقائع والأحداث، فيستبعد بعضها لعدم دلالتها (من وجهة نظر صاحب النموذج) ويستبقي البعض الآخر، ثم يرتبها ترتيباً خاصاً وينسقها تنسيقاً خاصاً بحيث تصبح (من وجهة نظره) مترابطة بشكل يماثل العلاقات الموجودة بالفعل بين عناصر الواقع. حينئذ تتكون صورة فى ذهنه يمكن أن نسميها خريطة إدراكية أو نموذج إدراكى. والنموذج ليس له وجود إمبريقى محسوس فهو كامن فى كل تفاصيل الظاهرة أو النص وفى أجزائهما، وهو بلا شك يتجاوزهما، ولكنه فى الوقت ذاته يمنح النص أو الظاهرة وحدتهما الأساسية ويربط بين عناصرهما المختلفة. ومن يستخدم النموذج كأداة تحليلية لا يتلقى الحقائق في سلبية وإنما سيقوم برصدها في دقة بالغة ثم يقوم بعد ذلك بتفكيكها والربط بينها وتجريدها وتركيبها ووضعها داخل إطار ينتظم الظواهر المتشابهة (فإن كان الرصد عملاً موضوعياً، فالتجريد والتركيب عمل ذاتي اجتهادي توليدي). ومن خلال الأنماط المتكررة يمكن إدراك المعلومات لا كذرات متناثرة وإنما كشبكة علاقات ذات دلالة. والنموذج لابد وأن يكون له بُعداً معرفياً، ونحن نتحدث عن «النموذج المعرفي» أي النموذج الذي يحاول أن يصل إلى الصيغ الكلية والنهائية للوجود الإنساني (وكلمة «كلي» تفيد الشمول والعموم، بينما تعني «نهاية الشيء» غايته وآخره وأقصى ما يمكن أن يبلغه الشيء). وتدور النماذج المعرفية حول ثلاثة عناصر أساسية: الإله - الطبيعة - الإنسان. ونحن نركز على الإنسان (الموضوع الأساسي للعلوم الإنسانية)، ولكن من خلال دراسته يمكن أن نحدد موقف النموذج من العنصرين الآخرين (الإله والطبيعة). وبعد تجريد النموذج الإدراكى المعرفى يمكن تحويله إلى نموذج تفسيرى تحليلى، يستخدمه الباحث فى قراءة النصوص والظواهر المختلفة قراءة تحليلية نقدية. ولذا ففى الإطار التفسيرى بوسعنا أن نسقط كلمتى "موضوعى" و"ذاتى"، ولن يكون معيارنا الدقة أو كم المعلومات أو مدى مطابقة معلوماتنا للواقع وإنما المقدرة التفسيرية للمصطلح أو الأطروحة. فإن كان المصطلح أو الأطروحة قادراً على تفسير عناصر وأوجه كثيرة في الواقع فهو "أكثر تفسيرية" (وهي عبارة تحل محل مصطلح «موضوعي»)، وإن أثبت المصطلح قصوره التفسيري فهو "أقل تفسيرية" (وهي عبارة تحل محل مصطلح «ذاتي»). والمصطلحان اللذان أقترحهما أكثر انفتاحاً وعملية وتواضعاً من مصطلح "موضوعى وذاتى". فحينما أقول "إن ما أطرحه هو أكثر تفسيرية" فأنا أقول فى واقع الأمر "أن تفسيرى أنا للوقائع وللظاهرة"، أى أننى أحذر القارىء من العنصر الذاتى، وأدعو لاختبار أطروحتى على محك الواقع. أما إن قلت "أن هذا رأى موضوعى" فمعنى ذلك أنه ليس رأيى أنا، وإنما هو الحقيقة الموضوعية التى لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. وإن قلت "أن هذا هو رأيى الذاتى الذى توصلت له من خلال عبقريتى وعلمى الغزير، فعلى الجميع إذن قبوله دون مناقشة، فهم ليسوا عباقرة، أو علماء مثلى! وإذا كنا قد بدأنا في العالم الموضوعي فنحن ننتهي فيه، إذ يمكن اختبار مقدرة النموذج التحليلى التفسيرية للنموذج التحليلي على محك الواقع، كما يمكن إثراءه وزيادة تركيبيته ومقدرته التفسيرية من خلال اختباره على عدة حالات مماثلة، وبالتالي لا يوجد خوف من ذاتية التجريد والتفكيك والتركيب. وصياغة النموذج التفسيري التحليلي عملية مركبة وإبداعية تتضمن عمليات عقلية عديدة متنوعة. فالنموذج لا يوجد من العدم أو من أعماق الذات وثناياها وحدها (كما قد يتراءى للبعض)، وإنما هو- كما أسلفنا - ثمرة فترة طويلة من ملاحظة الواقع والاستجابة له ومعايشته والتفاعل معه ودراسته والتأمل فيه وتجريده. وحين يحاول الباحث أن يصوغ النموذج لا يستبعد خياله أو حدسه أو قيمه أو تحيزاته، فهو يحاول أن يستجيب بكل كيانه للظاهرة أو النص موضع الدراسة. إن النموذج كأداة تحليلية يربط بين الذاتي والموضوعي، ولذا يمكن القول بأن عملية صياغة النموذج تجمع بين الملاحظة الإمبريقية واللحظة الحدسية، وبين التراكم المعرفي والقفزة المعرفية، وبين الملاحظة الصارمة والتخيل الرحب، وبين الفهم الحدسى للكل والدراسة التجريبية للأجزاء والتفاصيل، وبين الحياد والتعاطف، والانفصال والاتصال. وهو يفتح مجال البحث العلمي من خلال الخيال الإنساني ومقدرته على التركيب وعلى اكتشاف العناصر والعلاقات الكامنة، ولكنه في الوقت نفسه يكبح جماح هذا الخيال بأن يجعل النتائج خاضعة للاختبار، وهي مسألة تقع خارج ذاتية من صاغ النموذج. وذلك كفيل بأن يضع حلاً للمشكلة التى تواجه العلوم الإنسانية، أى الإفراط فى تصديق الحدس الذاتى المنفصل عن أى واقع، أو العكس، أى الإفراط فى الاهتمام بالتفاصيل والجزئيات المنعزلة عن أى مفهوم للكل (وهذا تبد متطرف لإشكالية الذاتية والموضوعية). إن ذاتية الحدس ليست كافية، تماماً مثل موضوعية التجريبية، إذ لابد أن يكون هناك تفاعل بين الذات والموضوع وبين الكل والجزء وبين الحدس المباشر من جهة، ومن جهة أخرى التحليل العقلى والرصد الموضوعى الصارم. وبدون كل هـذه العـمليات المركبة، يحل محل النموذج التحليلي المركب فرضية اختزالية شائعة (أي نموذج اختزالي شائع)، وتصبح الملاحظة عملية اختزال للواقع ويصبح البحث عملية توثيق أفقية مملة، هي فى جوهرها تأييد للأطروحات السائدة في حقل ما. وهذا مع الأسف هو ما يحدث فى كثير من الدراسات التى يقال لها "علمية" التى تقوم فى جامعاتنا، والتى تسمى نفسها "بحوثاً"، وهى أبعد ما تكون عن "البحث"، فهى فى غالب الأمر عملية توثيق لبعض البديهيات أو لبعض الأطروحات الشائعة. الرومانسية والصهيونية ولنحاول تطبيق بعض هذه الأفكار على موضوعين هما الرومانسية والصهيونية قد يبدوان لأول وهلة وكأنهما لا يمكن أن توجد أى نقط تشابه أو تماثل بين الواحد والآخر. وأنا هنا لا أتحدث عن "أثر" الرومانسية على الصهيونية وإنما أتحدث عن التماثل أو التشابه البنيوى بينهما. والتماثل أو التشابه البنيوى يعنى أن نقط التماثل والتشابه لا توجد فى المضمون المباشر أو الموضوع الظاهر وإنا توجد على مستوى أعمق، مستوى النموذج الكامن والعلاقات المختلفة بين كل التفاصيل، وهو مستوى لا يمكننا التوصل إليه إلا من خلال استخدام النماذج التحليلية. فالنموذج التحليلى يجعل بوسعنا أن ننتقل بقدر من السهولة من حقل معرفى إلى آخر، ومن عالم الاقتصاد على سبيل المثال إلى عالم الأفكار. ومن خلال مقارتنا بين الرومانسيةوالصهيونية هذه سنحاول أن نبين المقدرة التصنيفية والتفسيرية للنماذج التحليلية. وتعريف الرومانسية تعريفا جامعا مانعا أمر في غاية الصعوبة، نظراً لأنه مصطلح فضفاض وخلافى يشير إلى عدد كبير من الاتجاهات والتيارات تتباين في دعاتها وأزمنتها وأمكنتها. ولذا فلنحاول أن نقدم هذا المفهوم الفكرى (والسياسى والاجتماعى والتاريخى) عن طريق حصر بعض السمات الرئيسية التي تهمنا في المقارنة التي سنعقدها. ومن أهم هذه السمات أن الرومانسية كانت ثورة ضد النفعية وكل الاتجاهات الآلية التي تحاول أن تختزل الظاهرة الإنسانية إلى عنصر مادي واحد: الاقتصاد، أو الجنس أو هذا العنصر المادي أو ذاك. كما أن الماديين يرون أن العالم في حالة صيرورة دائمة، فهو لا ثبات فيه لأي شيء. ولذا حاول الرومانسيون أن يبحثوا عن حقيقة جوهرية كامنة وراء الأشياء، حقيقة ثابتة وراء التغير، حقيقة عميقة تتجاوز السطح. ومن هنا لم يعد العالم المادي بالنسبة إليهم شيئاً ميتاً، خاضعا لقوانين المادة والآلة، وإنما شيء حي ينبض بالحياة، تسري فيه الروح، يصلح كعلامة وكشاهد على وجود المطلق الذي كان يقرنه بعض الرومانسيين بالإله (وهذه هي خلفية البعث الديني الذي حدث في القرن التاسع عشر). وباكتشافهم لهذا المطلق تصور الرومانسيون أنهم أعادوا الحياة للعالم بعد أن قتلته الثورة الصناعية والفلسفة النفعية المادية. فالمطلق هنا لم يكن أداة لتأكيد الذات وإنما وسيلة لتأكيد إنسانية الإنسان وانفصاله عن عالم الأشياء عن طريق ربطه بما هو متجاوز للعالم المادي. ومن هنا يفهم حديث بعض مؤرخي الأفكار عن "الثورة الرومانسية". (ومع هذا يجب التحفظ بالقول أنه لا الرومانسية تؤدي إلى التدين ولا العقلانية تؤدي إلى العلمانية والمادية، فهناك ماديون رومانسيون مثل النازيين وبعض الماركسيين، وهناك متدينون عقلانيون مثل المعتزلة، وهناك كثير من المفكرين الغربيين المسيحيين العقلانيين في القرن الثامن عشر، فالعلاقة بين الرومانسية والتدين ليست علاقة سببية صلبة وإنما علاقة ترابط اختياري أو علاقة قربى بينهما). ولكن كيف يتأتى لنا أن نصل إلى هذا المطلق الثابت، المتجاوز لعالم المادة والمحسوس؟ إن عالم الحواس مفلس، ولابد من طريقة جديدة للإدراك، ومن هنا كانت أهمية الخيال، فالخيال وحده هو الذي يمكِّن الإنسان من تجاوز عالم المادة ليصل إلى الأعماق وإلى جوهر الأشياء، بل وإلى المطلق الثابت الذى لا يتحول. إن الخيال لا يبتدع صورا خرافية، لا علاقة لها بالواقع، وإنما يساعد على تخطي المعطيات الحسية بأن ينحت صورا مجازية دالة، تجسد هذا الواقع وعلاقاته، وتسهل إدراك جوهر الواقع المعيش. ولكن كيف يمكن للخيال أن يلعب دوره هذا؟ يجيب الرومانسيون بأن العاطفة هي التي يمكنها أن تفعل ذلك، فالإنسان في حالته العادية وفي حياته اليومية، لا يستخدم سوى حواسه وعقله (بالمعنى الضيق والمباشر للكلمة). أما إذا جاشت عواطفه، فإنها ترهف حواسه وتعمق إدراكه بحيث يتجاوز السطح ليصل إلى الأعماق والمطلق وإلى جوهر الأشياء. إن العاطفة تهدم حدود الحواس والأشياء، ولذا فالصور الشعرية الخيالية تتسم بوحدة داخلية عضوية مختلفة تمام الاختلاف عن الوحدة الخارجية (المنطقية) التي تتسم بها الأشياء العادية، فالأولى مستقاة من منطق الروح الحي والثانية مستقاة من منطق الأشياء الميتة. والإنسان الرومانسي الذي يتجاوز السطح ويصل إلى الجوهر عن طريق الخيال الذي تشحذه العاطفة، إنسان فردي متفرد - فردي لأن العاطفة -على عكس العقل- لا تخضع لقانون، ولذا فمن يعبر عن عاطفته إنما يعبر عن ذاته، ومن يعبر عن ذاته فهو يعبر عن فرادته التي لا يشاركه فيها أحد سواه. لكل ما تقدم نادى الرومانتيكيون بالعودة إلى "الطبيعة"، والطبيعة هنا ليست مجرد أشجار وأنهار وجبال وتلال، وإنما هى حيز فسيح يتسم بالبساطة وغياب التفاصيل يمكن للمفكر أو الأديب الرومانسى أن يذهب إليه، بعيداً عن ضوضاء المدينة وتلوثها وتفاصيلها العديدة، ليتأمل ذاته دون عوائق ولتفيض عواطفه وينطلق خياله فيطور أفكاره الأصيلة التى تعبر عن هويته وشخصيته ورؤيته الفريدة الفذة وعن إنسانيته.
| |
|