جامع الشيخ عبد الغني النابلسي
يقع في منطقة الصالحية ( الشيخ محيي الدين )، وينسب إلى العالم المحدث عبدالغني النابلسي المولود في دمشق 1050 هـ / 1640م، حينما توفي ترك هذا المكان داراً للسكن ولم يكن فيه مسجد، بل أُحدث بعد وفاته أنشأه حفيده الشيخ مصطفى النابلسي المتوفى عام 1191هـ / 1777م، وغلب على هذا المسجد اسم جامع الشيخ عبدالغني النابلسي واشتهر بذلك. وكانت شهرة الشيخ عبدالغني قد حفّزت كثيراً من الولاة والسلاطين على العناية بتخليد ذكراه بتجديد المكان في أدوار مختلفة.
أما طراز البناء فهو من العصر العثماني، والطراز الغالب على البناء والزخرفة الطراز الدمشقي. يضم البناء مسجداً وتربة وداراً للسكن، أما مئذنة الجامع فتقع في أقصى الجناح الشرقي للبناء مبنية بالحجارة المنحوتة. أما القاعة الكبرى فيعلو بابَها لوح من القاشاني فيه كتابة وتاريخ تجديد القاعة سنة 1178 هـ / 1764م، ومدفن الشيخ عبدالغني يقع في شرقي الصحن، وبجانبه مدفن الشيخ مصطفى المتوفى عام 1191هـ / 1777م، وهو باني المسجد. أما المصلَّى فهو عبارة عن قاعتين يفصل بينهما قوس، وفيه المحراب والمنبر.
جامع السنجقدار
يقع في محلة السنجقدار بدمشق، وكان يسمى جامع الحشر، أنشأه أرغون شاه نائب السلطنة المملوكية في دمشق الذي قتل عام 750هـ / 1349م، ودفن في تربته التي أنشأها مع الجامع. تم تجديد حرم المسجد في العهد العثماني عام 1008 هـ / 1599م من قبل سنان آغا الينكنجرية.
أهم آثار المسجد المملوكية واجهته الحجرية الجميلة، ومقرنصات بوابته، والتربة المسقوفة بقبة إلى يمين المسجد، ومئذنة رشيقة.
جامع التوبة
يقع في حي العقيبة في نهاية سوق ساروجة بدمشق، وقد بُني على نسق الجامع الأموي بدمشق، ويعد من روائع فن العمارة الأيوبية. كانت أرض الجامع قديماً تعرف بخان الزنجاري، ترتكب فيه المحرمات وتشرب فيه الخمور، فأمر الملك موسى العادل أبو بكر بهدمه وبناء الجامع الذي سمّاه جامع التوبة، وتم بناؤه عام 632هـ / 1234م. صحن الجامع مستطيل الشكل تحيط به ثلاثة أروقة شرقي وغربي وشمالي، تتوسطه بركة مربعة الشكل. الحرم مستطيل، وأجمل ما فيه المحراب الغنيّ الزخارف، المكسوّ بالرخام في أسفله، ثم تعلو ذلك طبقة جصية عليها رسوم نباتية جميلة تتخلّلها كتابات وزخارف، يعلوها رسم هندسي ونباتي، وعلى جانبي المحراب عمودان من الرخام بشكل لولبي، وهو يعد من أجمل المحاريب التي وصلت إلينا من العهد الأيوبي.
مسجد فلوس
مسجد قديم يقع في حي الميدان بدمشق، ويعرف حالياً بزاوية الرفاعي. وأهم ما يميز هذا المسجد هو النتاج الفني الذي بقي من العصر الفاطمي في دمشق المتمثل في زخرفة محرابه، حيث تعلو المحراب طاقية أثرية نادرة، تقوم على شريط عريض به سطر من الكتابة الكوفية المزهّرة. ويعلو هذا الشريط طاقية من زخارف جصّية عناصرها أوراق نباتية بينها فروع دقيقة متشابكة، وقد ملئ فراغ سطوح الأوراق النباتية بزخارف هندسية.
الجامع المعلّق
الجامع المعلّق نموذج من الأوابد المملوكية، وهو معبّر أيضاً عن الطريقة التي كان المماليك يفكرون بها. يقع الجامع بين باب الفرج والفراديس في منطقة العمارة البرانية خارج سور دمشق. وسمي بالمعلّق لأنه مرتفع عن الأرض قليلاً، ولأنه معلق بشكل أو بآخر إذ يقع على نهر بردى.
والناس يسمونه بالجامع الجديد أو جامع بردبك أو جامع بين الحواصل، فالتسمية الأولى نابعة من تكرار ترميمه إذ جدد العام 1058 للهجرة بعد أن ضربته صاعقة وألحقت أضراراً به وهوى رأس مئذنته، فأعيد بناؤها على الطريقة المملوكية لمساجد القاهرة، ثم جدد مرة أخرى العام 1328 هجرية.
أما التسمية الثانية فتعود لبانيه بردبك الأشرفي إينال، الذي بني في قناطر السباع في مصر جامعاً هائلاً، وبنى مثله في غزة ودمشق العام 826 للهجرة. والمعروف عن هذا الأمير أنه كان مقرباً من الأشرف إينال ونفي إلى مكة حيث قتل في طريق العودة العام 868 هجرية ودفن في مكة المكرمة.
وتعود التسمية الحالية إلى الواقع المحيط بالمسجد، المعروف عن منطقته أنها ساحة للأسواق يتم استعمالها.
المسجد واسع جداً ومبني على الطريقة المملوكية باستعمال الحجر الأبيض والأسود بالتناوب، إضافة لنوافذه التي سُوّرت بالحديد على شكل شبك. وبوابة المسجد لا تتبع الطراز المملوكي إذ أنها ليست مرتفعة، وتوحي زخارف الباب بأنه جدد عندما تم تجديد المسجد أخيراً، فتم الاحتفاظ بالشكل الأساسي مع تبديل ما تلف من أثاثه.
وفي الجامع ـ كغيره من المساجد المملوكية ـ ثماني غرف للطلاب في الطابق العلوي، لكنها اليوم جزء من المسجد، ورواد الجامع قليلون نسبياً لأنه يقع في منطقة الأسواق. وما يتميز به هذا المسجد عن باقي المساجد المملوكية أنه:
أولاً: يعتبر مسجداً مملوكياً أصيلاً لم يُبنَ على أنقاض مسجد أقدم منه، فالمساجد والمدارس المملوكية كانت تقام عادة على أنقاض مساجد قديمة، فهي عملياً تمثل حالة ترميم وتعبر عن توسع عمراني، بينما المسجد المعلّق بني بشكل مستقل.
ثانياً: يتفرد بموقعه البعيد نسبياً عن الفعاليات العلمية والدينية، فالمماليك غالباً ما كانوا يبنون مدارسهم في محيط دمشق القديمة، أو في منطقة الصالحية، وذلك للبقاء قريباً من رجال الدين والعلماء، أما الجامع المعلق فبعيد عن هذه المناطق بل يكاد يكون معزولاً عن التيارات التي سادت في تلك الفترة وكان المماليك يخطبون ودها.
جامع الورد
في مطلع القرن الحالي كانت منطقة سوق صاروجا من أكثر مناطق دمشق ازدهاراً، حتّى إنها سميت باستانبول الصغيرة لكثرة الضباط والموظفين الأتراك الذي سكنوا فيها. ونجد أن معظم من يتكنى بكنية تركية هو في الأصل من هذه المنطقة.
لكنها في الواقع أقدم من العهد العثماني، فهي ازدهرت في العصر الأيوبي وكانت تسمى العوينة وبدأت المدارس بالظهور فيها أولاً فبنت الخاتون ست الشام ابنة نجم الدين أيوب المدرسة الشامية البرانية في سنة 582 للهجرة.
وإذا كنا اليوم لا نشاهد إلاّ أطلال سوق صاروجا، فإن جامع الورد يبرز من بين البقايا بمئذنته الغربية وتموضعه بين زقاقين صغيرين. وهو يعود للفترة المملوكية، وانتهى بناؤه في الرابع عشر من رمضان سنة 830 هـ.
يعرف الجامع تاريخياً بجامع « برسباي » أو الحاجب، وذلك نسبة لبانيه الأمير برسباي الذي تولى نيابة طرابلس وحلب، ثم استقال من وظائفه ومارس الأعمال الحرة، وتوفي سنة 851 للهجرة في مدينة سراقب، وحُمل جثمانه إلى دمشق ودفن في الجامع الذي بناه. وكان المسجد يعرف بالورد نسبة إلى حمّام يقع إلى الشمال منه، وما زال مشهوراً بهذا الاسم حتّى إن الزقاق الموجود فيه يطلق عليه اسم الورد.
وكما كافة المساجد المملوكية، فإن مكان الجامع الحالي كان مسجداً صغيراً يعود تاريخه إلى سنة 784 هـ، فقام برسباي بتوسيعه ورفع منارة وقبة له، وتم إنجاز بنائه في يوم الجمعة الرابع عشر من رمضان سنة 830هـ، وصُلّيت فيه الجمعة في ذلك اليوم.
ومن المعروف أن بناء المسجد جاء بعد اجتياح تيمورلنك لدمشق، أي أنه نوع من إعادة الإعمار التي بدأت منذ سنة 811 هـ ( بعد سبع سنوات على رحيل تيمورلنك ).
جامع يلبغا
هل يحق لنا تذكر جامع يلبغا مع أنه اختفى من دمشق سنة 1960م بعد أن كان من أعظم المساجد في دمشق بعد الجامع الأموي ؟
ما زال القادمون إلى المدينة يشاهدون مشروع إعادة إعماره في ساحة المرجة، فالجامع كان مملوكي الطابع، عمَدَ الأمير يلبغا في عمارته إلى منافسة جامع تنكز الذي لم ينجُ من الهدم سوى مئذنته.
قصة الجامع تبدأ مع الأمير يلبغا الذي دخل دمشق أميراً في عام 756 للهجرة وخلّف فيها مسجداً وقبة مشهورة في منطقة القدم. ولا تختلف سيرة الأمير عن سِيَر بقية المماليك، فما كاد يتسلم إمارة دمشق حتّى بدأ بتقليب الأمراء على السلطان. لكن المفارقة معه تتعلق بتصرفاته عند دخول دمشق؛ ففي 14 جمادى الأولى من عام 746هـ، أي بعد يومين من دخوله دمشق، أمر بقطع أيدي وأرجل ثلاثة عشر رجلاً بلغه تكرار وقوع الجنايات منهم.
وبغضّ النظر عن تفاصيل معارك الأمير يلبغا، إلاّ أن فترة ولايته كانت شبه مستقلة عن القاهرة، لذلك فإن مسجده كان ضخماً جداً ليعبّر عن الطريقة التي يفكر بها في منافسة حكم الملك في القاهرة، وقد تعطل العمل في بناء الجامع بعد مقتله، ثم سار الأمر ببطءٍ شديد وظهر أخيراً كمسجد جامع، وحضر افتتاحه عدد كبير من الأمراء الذين شاركوا أساساً في قتل الأمير يلبغا اليحاوي.
ومن أهم ذكريات هذا المسجد ما قام به إبراهيم باشا المصري أثناء حملته على سورية إذ حوله إلى مصنع للبسكويت. ويبدو الأمر اليوم مضحكاً لكن عصرنة الدولة كما فهمها إبراهيم باشا اقتضت منه تحويل هذا المبنى الأثري المهم إلى مصنع، وكان لذلك أثره في الفن المعماري الموجود في المسجد. لكن خروج إبراهيم باشا أدى إلى إعادة تجديده، وهو جدد بالفعل أربع مرات كانت الأخيرة عام 1173 للهجرة على أثر الزلزال الذي ضرب دمشق.
غوطة دمشق
لولا الغوطة لما كانت مدينة دمشق، فهي من أجمل متنزهات العالم بما حبتها به الطبيعة من جمال الشجر وخصب التربة وكثرة الجداول والأنهار، فمن قديم الزمان وحتى الوقت الحاضر يتغنى الشعراء بجمال الغوطة وسحرها ويشيرون إلى طيب الإقامة فيها، ويسهبون في وصفها، وفي مقدم هؤلاء الشعراء حسّان بن ثابت وأبو بكر الخوارزمي الذي وصفها بأنها إحدى جنات الأرض الأربع، وصولاً إلى شعراء العصر الحديث.
والغوطة تعني المطمئنّ من الأرض، مساحتها 600, 40 هكتار وطولها 20 كلم وعرضها ( 10 ـ 15 كلم )، وهي ببساتينها وقراها تحيط بمدينة دمشق. والمعدل السنوي ـ للأمطار فيها 225 ملم، والمعدل السنوي للحرارة 16 درجة مئوية ويبلغ متوسط ارتفاعها عن سطح البحر 700 متر، وعدد قراها 44 قرية كان يسكنها 250 , 318 نسمة وفق إحصائيات عام 1948م.
وغوطة دمشق تجود بمعظم الثمار والحبوب والبقول التي تغطي احتياج مدينة دمشق وبعض المدن السورية، وفي بعض المواسم تشحن كميات كبيرة منها إلى لبنان. ومن الموارد المهمة فيها أشجار الحور ( الرومي والفارسي ) التي تستخدم أخشابها في الصناعات المنزلية.
وتعتمد الزراعة المرويّة في الغوطة التي يؤمّنها نهر بَرَدى، حيث يقوم بريٍّ كامل مساحة الغوطة عبر فروعه السبعة وهي ( يزيد ـ قناة المزة ـ الديراني ـ شورى ـ قنوات باناس ـ العقرباني ـ الداعياني ـ المليحي ). ومن هذه الفروع السبعة يخترق اثنان مدينة دمشق وهما ( القنوات وباناس ).
وتروي المصادر التاريخية أن غوطة دمشق تعرضت في الماضي إلى كوارث طبيعية كالأوبئة والمجاعات والزلازل التي ساهمت في خراب قسم منها، ولكن يد الطبيعة لم تكن بتلك القسوة التي اتصفت بها يد الإنسان، فمن الحروب والغزوات والمعارك والثورات التي كانت الغوطة ساحة لها في الماضي، إلى امتداد يد الإنسان في الوقت الحاضر لتغييب بعض من جمالها وروعتها عن طريق امتداد السكن والعمران الذي أتى على قسم كبير من أراضيها الزراعية، إلى إقامة بعض المصانع والمعامل التي باتت تلوث هواءها بما تنفثه من سموم وغبار ومخلفات، إلى الهجرة من الريف إلى المدينة حيث انتقال الفلاح البسيط الذي كان يعني بأرضه ويكسب لقمة عيش هنيئة وبسيطة ونظيفة لا يلوثها ضجيج المدن وصخبه، هذا الفلاح انتقل من غوطة دمشق إلى مدينتها ليستقر نهائياً مخلفاً وراءه بستاناً أو قطعة أرض تنعطش لمن ينبش تربتها ويعتني بها.
وعلى رغم عوامل الخراب والدمار التي ألمت بغوطة دمشق فهي تبقى موئلاً لكل من يطلب الراحة والطمأنينة والهدوء والأمان، وذلك ببساتينها الغنّاء التي لا تزال تحافظ على خضرتها وجمالها وبأشجارها الوارفة الظلال وأنهارها وجداولها التي تبعث الحياة فيها.
سور دمشق وأبراجها
يعود تاريخ إنشاء سور دمشق إلى العهد الآرامي ثم اليوناني وبعده الروماني. وكان السور الروماني يمتد على خط مستقيم محدثاً شكلاً مستطيلاً منتظماً طوله 1340 متراً وعرضه 750 متراً، وكان يحوي مساحة تقدر بمائة هكتار، وهي مقسمة إلى جزر مستطيلة يبلغ بُعدُ كلٍّ منها 100 مضروبة بـ 45 متراً. مفصولة عن بعضها البعض بشوارع تتجه من الشمال إلى الجنوب أو من الشرق إلى الغرب.
وضم السور الروماني سبعة أبواب هي: الباب الشرقي، باب توما، باب السلام، باب الفراديس، باب الجابية، الباب الصغير، باب كيسان.
أما السور الحالي فهو مختلف عن السور الروماني، الذي رُمّم عدة مرات للخراب الذي أصابه على مر العصور، فعندما احتل العباسيون دمشق في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ( 132 هـ / 749م ) قام عبدالله بن علي الذي دخل المدينة في عهد أبي العباس السفّاح بتخريب السور ولم يترك منه سوى قطعة صغيرة تمتد بين باب توما وباب السلام.
وأُهمِل السور طوال العهد العباسي، وزاد تخريبه إبان الثورات المتلاحقة أيام الإخشيديين والفاطميين والسلاجقة. إلى أن أعاد الفاطميون بناءه في القرن العاشر أول مرة، وبناه نور الدين محمود بن زنكي مرة ثانية، وأخيراً تم استكمال بناء السور على يد الأيوبيين.
كان هناك خندق يحيط بالسور من جهاته الثلاث الشرقية والجنوبية والغربية، وكثرة الأنهار في الجهة الشمالية منعت حفر الخندق من تلك الجهة.
حُيّد السور الحالي عن تخطيطه الروماني وذلك رغبة في دعمه، وجعله متفقاً مع اتساع المدينة وامتدادها، وعلى يد الأيوبيين جددت تحصيناته وتم توسيعه خصوصاً من الجهة الشمالية، حيث جعلوه يحاذي مجرى بردى الأصلي، بدلاً من أن يحاذي كما كان سابقاً نهر عقربا الذي لم يعد يحاذيه إلا بعد باب السلام. ولما أتى المماليك ثم العثمانيون، قاموا كذلك بإصلاح ما تداعى من منشآته.
وإذا لم يكن في الإمكان اليوم تحديد المراحل المتعاقبة التي مر بها منذ تحوله عن تخطيطه المستطيل القديم، إلى تخطيطه المتعرج الحالي، إلا أنه يمكن تبيان كل المراحل التاريخية التي تم فيها بناء الأقسام المتبقية من السور، فصفوف أحجاره السفلية الضخمة التي أُخذت من السور القديم يعود عهدها إلى ما قبل القرن الثاني عشر. وصفوف الأحجار التي تليها والتي يراوح ارتفاعها بين 50 ـ 60 سنتيمتراً تعود إلى زمن نور الدين وزمن الأيوبيين. أما مداميك الأحجار الصغيرة ذات الأبعاد 20 ـ 30 سنتيمتراً فهي تعود إلى عهد المماليك، وبقية الأحجار غير المنحوتة العُلْوية، وُضعت بعد الفتح العثماني.
قلّت العناية بأسوار دمشق وأبراجها في العهد العثماني، وذلك لأنها أصبحت غير لازمة في الحرب بعدما تقدم فن المدفعية، فجعل الانصراف عن الاهتمام بالأسوار أمراً محتوماً له ما يبرره. ولهذا أخذ الناس يبنون بيوتاً متواضعة على الأسوار ويستفيدون من أساساتها. وامتلأت الخنادق التي كانت أمام السور بما كان يُلقى بها من أنقاض وغيرها. وتُركت القلعة وشأنها، وانتقلت الحياة الرسمية منها، ولم يبق فيها إلاّ حاكم كان يسمّيه السلطان لتمثيل سلطته في المدينة ولمراقبة الباشا « الحاكم ». أما أبواب السور فإنها لم تعد لها فائدة إلا كمناطق اجتياز وعبور تدخل منها البضائع إلى المدينة وتجرى عندها هناك المكوس.
أما أهم معالم سور مدينة دمشق فهي: برج نور الدين، وبرج الصالح أيوب، وقلعة دمشق، وأبواب السور.
برج نور الدين
يقع في الطرف الجنوبي الغربي من سور المدينة، ويبلغ ارتفاعه الحالي عشرة أمتار. بناه نور الدين زنكي سنة 654هـ / 1256م، له قاعدة مربعة وشكل شبه مستدير، ويشبه الأبراج التي بناها المهندسون المسلمون في هذا القرن. والبرج مبني من أحجار أُخذت كما يُظَنّ من سور المدينة القديم. ويلاحظ أن صفوفها السفلية أضخم من صفوفها العلوية التي جددت في زمن الملك الناصر قلاوون.
برج الصالح أيوب
يستند هذا البرج إلى الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة، ويصل سورها الشرقي بسورها الشمالي. أنشأه الملك الصالح أيوب سنة 646هـ / 1248م، كما تشير كتابة بالخط النسخي على قطعة مرمر داخل إطار في جبهته الشمالية.
ويعد البرج نموذجاً للأبراج الأيوبية الدمشقية، شكله مربع وبناؤه مستوحى من أشكال وتخطيطات أبراج القلعة التي سبقته، ويختلف عنها ببعض التفاصيل، منها: أن الوجوه الخارجية لأحجاره ملساء وغير بارزة، ومنحوتة بشكل جيد وما تزال محافظة تماماً على هيئتها القديمة.
كانت توجد عليه شرفات متصلة لم يَبقَ منها الآن إلاّ مساندها المعلّقة عند الطابق المتوسط.
قلعة دمشق
بُنيت قلعة دمشق على سور المدينة، خلافاً لأكثر القلاع الإسلامية كقلاع حلب وشيزر وحماه وحِمص التي شُيّدت على بعض المرتفعات.
والسلجوقيون كانوا أول من فكر ببناء هذه القلعة لتحصين دمشق. ولما حكم الملك العادل، أخو السلطان صلاح الدين الأيوبي، هدم القلعة القديمة وبدأ يجدِّد بناءها منذ سنة 605 هـ / 1206 م.
للقلعة شكل مستطيل تقريباً مساحته 220 مضروبة بـ 190 متراً لها ثلاثة عشر برجاً، يبتعد كل منها عن الآخر ثلاثين متراً، وكانت تتصل ببعضها بأسوار مرتفعة سمكها 140 متراً. واستُخدمت القلعة كمكان للنشاط السياسي والإداري في دمشق. وكان في جنوبها الغربي قصر لم يَبقَ منه إلا بعض الحجرات المتتابعة المسقوفة بالقِباب. ويظن أن قاعات الاستقبال كانت أمام هذه الحجرات كما تدل الآثار.
رُمِّم بعض حصون القلعة وأسوارها، أو أُعيد إنشاؤه عدة مرات، منذ زمن بنائها حتّى أول القرن السادس عشر، حيث جدد الملك الظاهر بيبرس عدة حصون في شمالها وجنوبها. وأصلح السلطان قلاوون بعض أبراجها الشرقية والقصر الملكي. وعمل ابنه الناصر ومن بعده نوروز الحفيظي وقانصُوه الغوري أيضاً في إصلاح عدة مواضع من السور والأبراج.