said63 منتديات شباب العارب
عدد الرسائل : 4133 العمر : 61 تاريخ التسجيل : 14/02/2007
| موضوع: للوطن وليس للطائفية للكاتب الكبير فهمي هويدي الأربعاء أبريل 25, 2007 12:19 am | |
| للوطن وليس للطائفة بقلم: فهمي هويدي لست مقتنعا بفكرة حجب الرقم الذي يمثله الاقباط في تعداد سكان مصر، واستغربت كثيراً الحجة التي أوردها رئيس جهاز التعبئة والاحصاء في تبرير هذا الموقف. (1) في الحوار الذي أجرته صحيفة «الدستور« مع اللواء ابوبكر الجندي رئيس الجهاز تحدث الرجل في موضوعات شتى، كان من اهمها عدم الاشارة إلى عدد الاقباط المصريين في نتائج التعداد. وحين سئل عن السبب في ذلك، قال ما معناه ان الاجواء الراهنة مشبعة بالحساسية والتوجس، لذلك فإن خانة الديانة كانت اختيارية في استمارات التعداد. وبسبب تلك الاجواء فإن الجهاز حريص على عدم اغضاب الاقباط اذا لم يعجبهم الرقم واعتبروه اقل مما يتصورون، كما أنه حريص على عدم اغضاب المسلمين اذا وجدوا أن الرقم اعلى مما يتوقعون. لذلك وتجنبا لوجع الدماغ فقد صار حجب الرقم هو الخيار الافضل. اذا صح هذا الكلام، فأزعم أن التفسير الذي قدمه رئيس الجهاز يحتاج إلى تصويب يتحرى وضوحا وصراحة اكثر. ذلك أنه لم يحدث، ولم نسمع أن المسلمين أعربوا عن استيائهم أو قلقهم من كون الاقباط خمسة ملايين أو عشرة. لكن ما يعرفه الجميع أن بعض متعصبي القبط داخل مصر وخارجها دأبوا على اثارة اللغط والاحتجاج بسبب نتائج تعداد السكان، مدعين في ذلك أن السلطات المصرية تتعمد تقليل اعدادهم، ومصرين على أن الرقم الحقيقي يتجاوز الارقام الرسمية المعلنة. لذلك فالحقيقة أن حجب عدد الاقباط في التعداد الاخير والذي سبقه، اريد به مجاملتهم وتهدئة خواطرهم، وتفويت الفرصة على المجموعات المتعصبة حتى لا تعود الى اثارة الضجة حول الموضوع مرة اخرى. في هذا الصدد فإنني أسجل ثلاث ملاحظات، الأولى: انه من حيث المبدأ فإن مجاملة الاقباط ليست أمرا مستهجنا، ولكنها تظل أمرا مرغوبا اذا كان مما تقتضيه المودة ويتطلبه توثيق العرى وتمتين الوشائج. من ثم فالسؤال او التحفظ لا ينصب على مبدأ المجاملة، وإنما على مجالها وموضوعها. ولا أكاد اجد محلا للمجاملة أو مبررا لها فيما يخص عددهم ونسبتهم بين سكان مصر. فذلك أمر موصول بخريطة الوطن بأكثر من اتصاله بشأن الطائفة. الملاحظة الثانية لا تخلو من مفارقة، لأننا بعدما تابعنا السجال الذي انتهى بالنص على المواطنة في تعديل المادة الأولى في الدستـور، في تكرار لمضمون المادة الـ 40 منه، التي قررت المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، بعد أن قطعنا ذلك الشوط، وجدنا أن جهاز التعبئة بحجبه أعداد الاقباط عالج بعض نتائج التعداد على اساس طائفي، ولم يتعامل مع المعنيين بها بحسبانهم مواطنين مصريين عاديين. الملاحظة الثالثة لا تخلو بدورها من مفارقة، لأن رئيس جهاز الاحصاء ذكر أن خانة الدين كانت اختيارية في استمارات التعداد، في حين أن الاستمارات ذاتها تضمنت خانة لتحديد عدد الاجهزة الكهربائية لدى كل اسرة (الثلاجة والغسالة وغيرهما)، وهو ما يعني أنه صار بوسعنا أن نعرف من التعداد عدد الثلاجات أو الغسالات لدى المصريين، في حين لا نتمكن من معرفة اعداد الاقباط المصريين. (2 ) اذا اردنا أن نقطع شوطا ابعد في المصارحة، وتأملنا مليا في مسألة حجب عدد الاقباط أو نسبتهم، فسنجد أن هذا الموقف معيب من نواح عدة، فهو يعني من ناحية أن اذاعة نتائج التعداد تخضع للحسابات والموازنات السياسية، الامر الذي ينال من صدقية التعداد ويفقد الثقة به. لأن الذي يحجب معلومة بأهمية عدد الاقباط في البلد، لن يتردد في حجب أي معلومات أخرى، لأي اسباب سياسية أو اجتماعية تملى عليه أو يقتنع بوجاهتها. من ناحية ثانية فذلك يعني أن الجهات المسئولة لا تملك شجاعة اعلان الحقيقة في الموضوع، وتتحسب لردود الافعال في الداخل والخارج بأكثر من التزامها بمقتضيات الحقيقة، الأمر الذي يشجع الآخرين على الضغط عليها ومحاولة ابتزازها. من ناحية ثالثة فإن هذا الموقف يمثل اهدارا لحق الرأي العام في المعرفة، التي هي في هذه الحالة تتعلق بحقائق وتضاريس المجتمع الذي يعيشون في كنفه. وهو مسلك يعيد الى الأذهان موقف الوصاية الأبوي من جانب السلطة، التي تعتبر أن احاطتها بالأمر فيها الكفاية، وأنه مادامت الحكومة تعرف، فإن «الراعي« سيقوم باللازم، وعلى الرعية الا تشغل بالها بالموضوع، وأن تنصرف إلى امورها الحياتية. من ناحية رابعة، فإن كتمان الرقم يفتح الباب على مصراعيه للمبالغة من جانب او للتهوين والتبخيس من جانب آخر. الأمر الذي يسهم في البلبلة واللغط، باعتبار أن غيبة اعلان الحقيقة، توفر مناخا مواتيا للترويج للمبالغات وكل صنوف الشائعات. من ناحية خامسة، فإن هذا الموقف يعطي للمواطن المصري انطباعا مؤداه أنه محكوم عليه أن يتعامل مع ملفات الوطن الذي يعيش فيه بحسبانها اسرارا لا يجوز له أن يطلع عليها، مما يوسع من نطاق الالغاز التي تحيطه، فلا تغدو مقصورة على المجال السياسي، وإنما تتجاوز ذلك الى ما هو اجتماعي وثقافي. (3) حين اعلنت نتائج الاحصاء السكاني لعام 1976، التي تبين منها أن عدد الاقباط في مصر لا يجاوز مليونين و300 الف نسمة (بنسبة 6.24%)، احتج بعض المتعصبين داخل مصر وخارجها (في الولايات المتحدة خاصة) وأثير الموضوع في مجلس الشعب، وأسفر الأمر عن تشكيل لجنة لتقصي حقائق الموضوع برئاسة وكيل المجلس السيد محمد رشوان، ضمت اثنين من المسلمين واثنين من الاقباط، وتلقت اللجنة مذكرة بهذا الخصوص من اللواء جمال عسكر رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء وقتذاك. وقد استعرض مضمون تلك المذكرة المستشار طارق البشري في كتابه المهم الذي صدر عن دار الهلال سنة 2005 تحت عنوان «الجماعة الوطنية- العزلة والاندماج«. حتى يزيل الشكوك المثارة، فإن اللواء عسكر قدم للجنة تقصي الحقائق بيانا بالموظفين والمسئولين الاقباط الذين اشتركوا في كل مراحل التعداد، من التحضير إلى التنفيذ والمراجعة، ثم وضع امام اعضائها الحقائق التالية: * ان جميع التعدادات التي اجريت منذ الاحصاء الأول سنة 1897 حتى سنة 1947 (معروف أن التعداد يتم كل عشر سنوات) أشرف عليها خبراء انجليز وفرنسيون. فمدير الإحصاء في عام 1907 كان فرنسيا، ومدير الاحصاء في 1917 كان انجليزيا (اسمه مستر كريج) وهو الذي اشرف على تعدادي 1927 و .1937 ورئيس الاحصاء آنذاك كان حنين بك حنين وهو قبطي مصري، واهمية هذه الخلفية تكمن في انها تستبعد تماما شبهة التلاعب بالنتائج التي حددت نسب المسلمين والمسيحيين في مصر. وهي النسب التي ظلت مستقرة وشبه ثابتة طوال الثمانين عاما السابقة (لا تنس أن لجنة تقصي الحقائق التي بحثت الموضوع تشكلت سنة 1980). * ان نسبة الاقباط في التعداد الأول كانت 6.3%، والثاني (في 1907) كانت 6.4%، غير أن هذه النسبة ارتفعت ابتداء من تعداد 1917 حيث وصلت الى 8.1%، وظل الوضع مستقرا في تعداد 1937 الذي قدرت فيه نسبتهم بـ 8.2%، لكنها تراجعت قليلا في تعداد عام 47، فوصلت إلى 7.9%. * هذه الزيادة التي طرأت على نسبة المسيحيين ابتداء من عام 1917، لم يكن سببها ارتفاعاً مفاجئاً في اعداد الاقباط المصريين وانما كانت نتيجة لإدخال افراد جيش الاحتلال البريطاني وعائلاتهم في التعداد، إلى جانب آخرين من الاجانب، الأرمن واليونانيين، الذين تمصروا بعد الغاء الحماية على مصر والغاء المحاكم المختلطة في عام .1922 وفضلا عن هؤلاء وأولئك فإن ظروف الحرب العالمية الاولى (1914 - 1919) دفعت اعدادا من الاجانب الى الهجرة إلى مصر، الامر الذي كان له دوره في زيادة نسبة المسيحيين. * بسبب العدوان الثلاثي على مصر عام 56، تعذر اجراء التعداد في موعده المقرر، لكنه أجري في سنة 60، وتبين منه أن نسبة المسيحيين بدأت بالتراجع التدريجي، حتى وصلت إلى 7.3%. وكان ذلك أمرا طبيعيا، بعد رحيل القوات البريطانية، ونزوح اعداد من الاجانب والمتمصرين بعد ثورة 52، وفي اعقاب العدوان الثلاثي في عام .56 * في التعداد التجريبي الذي أجري عام 66 هبطت نسبة المسيحيين إلى 6.7%، وهي النسبة التي تأثرت باستمرار نزوح الاجانب، خصوصا بعد التأميمات التي تمت في سنة .1961 واحدثت الهجرة المسيحية شبه المنظمة بعد حرب 67، للاستيطان في الولايات المتحدة وكندا، الى تراجع آخر في اعداد المسيحيين، حتى وصلت نسبتهم في تعداد عام 76 إلى 6.24%، وهي النسبة التي استقرت منذ ذلك الحين، واثارت احتجاج بعض المتعصبين كما سبق أن بينا. * في تعداد عام 86، وصلت نسبة المسيحيين إلى 5.87%، وقدر عددهم في احصاء ذلك العام بمليونين و 830 الف نسمة. وفي احصاء 96 الذي حجبت فيه اعداد الاقباط أول مرة، ظلت النسبة تدور حول 6%، طبقا للتسريبات التي خرجت وقتذاك. أما احصاء 2006 الذي نحن بصدده فلم تعرف نتائجه فيما يخص الاقباط، وإن كان الخبراء يرون أن نسبتهم لم تتغير كثيرا، وأنها ستظل تدور حول نسبة 6% صعودا أو هبوطا، حيث يقدر الخبراء أن الاقباط يزيدون بمعدل 50 الف نسمة سنويا. (4) بقيت عندي كلمتان، الأولى: ان حق الكرامة للمواطنين يرتبط بصفتهم تلك، ولا علاقة له بأعدادهم أو اوزانهم فضلا عن معتقداتهم، هو حق انساني في الاساس - هل يحتمل منا البعض أن نقول انه حق شرعي ايضا تقرره الآية «ولقد كرمنا بني آدم؟« - فما هو مكفول للمائة أو للمليون شخص، لن يتضاعف اذا كان العدد خمسة ملايين أو عشرة، وانما لهؤلاء ما أولئك من الحقوق والضمانات. الكلمة الثانية: ان مظلة الوطن حين تضيق عن استيعاب مختلف اطياف الجماعة الوطنية، فإن ذلك يفتح الباب واسعا للتفلت منها، والاحتماء بمظلة الطائفة أو القبيلة أو الجماعة أو غير ذلك من التكوينات الفئوية. والوعي بهذه الحقيقة ينبهنا إلى اهمية تصويب المسار، بحيث تتضافر جهود المخلصين من أجل السعي لتوسيع مظلة الوطن، لتحقق دورها في الاستيعاب وتكرس تماسك الجماعة الوطنية. وذلك لا يتأتى إلا من خلال الالحاح على اطلاق الحريات العامـة والتشبث بإقامة مؤسسات ديمقراطية حقيقية، توفر للجميع بلا استثناء حقوق المشاركة والمساءلة وتداول السلطة، حيث ازعم أن ذلك وحده يمثل طوق النجاة الذي ينبغي أن نتعلق به، ليس فقط لضمان استمرار تماسك الجماعة الوطنية وقطع الطريق على محاولات العبث بمفاصلها، ولكن ايضا لضمان حقوق المواطنة لكل مكونات تلك الجماعة، حتى لا تضطر أي منها إلى محاولة الالتفاف أو الاستقواء بأحد لتحصيل تلك الحقوق.
| |
|